عز شأنه أو بتركه كذلك وإثباتها له حقيقة بالمعنى اللائق بشأنه تعالى شأنه. والجهل بحقيقة تلك الحقيقة كالجهل بحقيقة ذاته مما لا يعود منه نقص إليه سبحانه بل ذلك من عزة كماله وكمال عزته والعجز عن درك الإدراك إدراك فالقول بالمجاز في بعض والحقيقة في آخر لا أراه في الحقيقة إلا تحكما بحتا بل قد نطق الإمام السكوني في كتابه التمييز لما للزمخشري من الاعتزال في تفسير كتاب الله العزيز بأن جعل الرحمة مجازا نزغة اعتزالية قد حفظ الله تعالى منها سلف المسلمين وأئمة الدين فإنهم أقروا ما ورد على ما ورد وأثبتوا لله تعالى ما أثبته له نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم من غير تصرف فيه بكناية أو مجاز وقالوا لسنا أغير على الله من رسوله لكنهم نزهوا مولاهم عن مشابهة المحدثات. ثم فوضوا اليه سبحانه تعيين ما أراده هو أو نبيه من الصفات المتشابهات.
والأشعري إمام أهل السنة ذهب في النهاية إلى ما ذهبوا إليه. وعول في الإبانة على ما عولوا عليه فقد قال في أول كتاب الإبانة الذي هو آخر مصنفاته: أما بعد فإن كثيرا من الزائغين عن الحق من المعتزلة وأهل القدر مالت بهم أهواؤهم إلى التقليد لرؤسائهم ومن مضى من أسلافهم فتأولوا القرآن على آرائهم تأويلا لم ينزل الله به سلطانا ولا أوضح به برهانا. ولا نقلوه عن رسول رب العالمين صلى الله تعالى عليه وسلم ولا عن السلف المتقدمين وساق الكلام إلى أن قال: فإن قال لنا قائل قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة فعرفونا قولكم الذي به تقولون. وديانتكم التي بها تدينون قيل له قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان عليه أحمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون. ولمن خالف قوله مجانبون لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله تعالى به الحق عند ظهور الضلال وأوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين. وشك الشاكين فرحمة الله عليه من إمام مقدم وكبير معظم مفخم وعلى جميع أئمة المسلمين ثم سرد الكلام في بيان عقيدته مصرحا بإجراء ما ورد من الصفات على حالها بلا كيف غير متعرض لتأويل ولا ملتفت إلى قال وقيل: فما نقل عنه من تأويل صفة الرحمة إما غير ثابت أو مرجوع عنه والأعمال بالخواتيم (١) . وكذا يقال في حق غيره من القائلين به من أهل السنة على أنه إذا سلم الرأس كفى ومن ادعى ورود ذلك عن سلف المسلمين فليأت ببرهان مبين فما كل من قال يسمع ولا كل من ترأس يتبع.
أما الخيام فإنها كخيامهم ... وأرى نساء الحي غير نسائهم
والعجب من علماء أعلام، ومحققين فخام كيف غفلوا عما قلناه، وناموا عما حققناه ولا أظنك في مرية منه وإن قل ناقلوه وكثر منكروه «وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله» وأما رابعا فلأن إجراء الاستعارة التمثيلية هنا مع أنه تكلف لا سيما على مذهب السيد السند قدس سره فيه ظاهرا نوع من سوء الأدب إذ لا يقال إن لله تعالى هيئة شبيهة بهيئة الملك ولم يرد إطلاق الحال عليه سبحانه وتعالى فهل هذا إلا تصرف في حق الله تعالى بما لم يأذن به الله، ومثل هذا أيضا مكنى في المكنية وبلاغة القرآن غنية عن تكلف مثل ذلك وأما خامسا فلأن وجه تشبيه الإحسان في احتمال الاستعارة المصرحة بالرحمة التي هي رقة القلب غير صريح لأنه لا ينتفع بها نفسها وإنما الانتفاع بآثارها وكم من رق قلبه على شخص حتى أرق له لم ينفعه بشيء ولا أعانه بحي ولا لي.
أهمّ بأمر الحزم لا أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنزوان
(١) وهذا مذهب السلف الصالح وعليه عمل ابن تيمية وتلميذه ابن قيم واضرابهما انظر كتاب الإبانة فإننا طبعناه والحمد لله اهـ منير.