واختلف في هذا اليوم فالأكثرون على أنه يوم القيامة وهو المنصور، وأخرج ابن المنذر وغيره عن مجاهد أنه قال: فإذا برق البصر عند الموت والاحتضار وخسف القمر وجمع الشمس والقمر أي كور يوم القيامة وجوز أن يكون الأخيران عند الموت أيضا ويفسر الخسوف بذهاب ضوء البصر منه وجمع الشمس والقمر باستتباع الروح حاسة البصر في الذهاب والتعبير بالشمس عن الروح وبالقمر عن حاسة البصر على نهج الاستعارة فإن نور البصر بسبب الروح كما أن نور القمر بسبب الشمس أو يفسر الخسوف بما سمعت، وجمع الشمس والقمر بوصول الروح الإنسانية إلى من كانت تقتبس منه نور العقل وهم الأرواح القدسية المنزهة عن النقائص فالقمر مستعار للروح والشمس لسكان حظيرة القدس والملأ الأعلى لأن الروح تقتبس منهم الأنوار اقتباس القمر من الشمس. ووجه الاتصال بما قبل على جعل الكل عند الموت أنه إذ ذاك ينكشف الأمر للإنسان فيعلم على أتم وجه حقيقة ما أخبر به وأنت تعلم أن هذا على علاته أقرب إلى باب الإشارة على منزع الصوفية وإذا فتح هذا الباب فلا حصر فيما ذكر من الاحتمال عند ذوي الألباب كَلَّا ردع عن طلب المفر وتمنيه لا وَزَرَ لا ملجأ وأصله الجبل المنيع وقد كان مفرا في الغالب لفرار العرب واشتقاقه من الوزر وهو الثقل ثم شاع وصار حقيقة لكل ملجأ من جبل أو حصن أو سلاح أو رجل أو غير ذلك ومنه قوله:
لعمرك ما للفتى من وزر ... من الموت يدركه والكبر
إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ
أي إليه جل وعلا وحده استقرار العباد أي لا ملجأ ولا منجى لهم غيره عز وجل أو إلى حكمه تعالى استقرار أمرهم لا يحكم فيه غير سبحانه أو إلى مشيئته تعالى موضع قرارهم من جنة أو نار فمن شاء سبحانه أدخله الجنة ومن شاء أدخله النار. فتقديم الخير لإفادة الاختصاص وإن اختلف وجهه حسب اختلاف المراد بمستقر وكَلَّا لا وَزَرَ يحتمل أن يكون من كلامه تعالى يقال للقائل أين المفر يوم يقوله أو هو مقول اليوم على معنى ليرتدع عن طلب الفرار وتمنيه ذلك اليوم ويحتمل أن يكون من تمام قول الإنسان كأنه بعد أن يقول أَيْنَ الْمَفَرُّ يعود على نفسه فيستدرك ويقول كَلَّا لا وَزَرَ وأيّا ما كان فالظاهر أن قوله تعالى إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ
استئناف كالتعليل للجملة قبله أو تحقيق وكشف لحقيقة الحال والخطاب فيه لسيد المخاطبين صلّى الله عليه وسلم ولا يحسن أن يكون من جملة ما يخاطب به القائل ذلك اليوم، ولا مما يقوله لنفسه فيه لمكان يَوْمَئِذٍ
وفي البحر الظاهر أن قوله تعالى كَلَّا لا وَزَرَ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ من تمام قول الإنسان وقيل هو من كلام الله تعالى لا حكاية عن الإنسان انتهى وفيه بحث وجوز أن تكون كَلَّا بمعنى ألا الاستفتاحية أو بمعنى حقا فتأمل ولا تغفل يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ
أي يخبر يَوْمَئِذٍ
وذلك على ما عليه الأكثر عند وزن الأعمال بِما قَدَّمَ
أي بما عمل من عمل خيرا كان أو شرا فيثاب بالأول ويعاقب على الثاني وَأَخَّرَ
أي ترك ولم يعمل خيرا كان أو شرا فيعاقب بالأول ويثاب بالثاني، أو بما قدم من حسنة أو سيئة وبما أخر ما سنه من حسنة أو سيئة يعمل بها بعده، أخرج ذلك ابن المنذر وعبد بن حميد وغيرهما عن ابن مسعود وهو رواية عن ابن عباس. وقال زيد بن أسلم: بما قدم من ماله لنفسه فتصدق به في حياته وبما أخر منه للوارث وزيد أو وقفه أو أوصى به. وقال مجاهد والنخعي بأول عمله وآخره، وأخرج ابن جرير عن ابن عباس بما قم من المعصية وأخر من الطاعة وأخرج نحوه عن قتادة وعبد بن حميد نحوه أيضا عن عكرمة وعليه فالظاهر أنه عنى بالإنسان الفاجر وفصل هذه الجملة عما قبلها لاستقلال كل منها ومن قوله تعالى يَقُولُ إلخ في الكشف عن شدة الأمر أو عن سوء حال الإنسان بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ