الحذف خلاف الظاهر وما زعموا من الداعي مردود في محله وبأن النظر بمعنى الانتظار لا يتعدى بإلى بل بنفسه وبأنه لا يسند إلى الوجه فلا يقال وجه زيد منتظر، والمتبادر من الإسناد إسناد النظر إلى الوجوه الحقيقية وهو يأني إرادة الذات من الوجه وتفصّى الشريف المرتضى في الدرر عن بعض هذا بأن إِلى اسم بمعنى النعمة واحد الآلاء وهو مفعول به ل ناظِرَةٌ بمعنى منتظرة فيكون الانتظار قد تعدى بنفسه وفيه من البعد ما فيه والزمخشري إذا تحققت كلامه رأيته لم يدع أن النظر بمعنى الانتظار ليتعقب عليه بما تعقب، بل أراد أن النظر بالمعنى المتعارف كناية عن التوقع والرجاء، فالمعنى عنده أنهم لا يتوقعون النعمة والكرامة إلّا من ربهم كما كانوا في الدنيا لا يخشون ولا يرجون إلّا إياه سبحانه وتعالى. ويرد عليه أنه يرجع إلى إدارة الانتظار لكن كناية والانتظار لا يساعده المقام إذ لا نعمة فيه وفي مثله قيل الانتظار موت أحمر والذي يقطع الشغب ويدق في فروة من أخس الطلب ما
أخرجه الإمام أحمد والترمذي والدارقطني وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وغيرهم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:«إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية» ثم قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ»
فهو تفسير منه عليه الصلاة والسلام: ومن المعلوم أنه أعلم الأولين والآخرين لا سيما بما أنزل عليه من كلام رب العالمين ومثل هذا فيما ذكر ما
أخرجه الدارقطني والخطيب في تاريخه عن أنس أن النبي صلّى الله عليه وسلم أقرأه وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ فقال:«والله ما نسخها منذ أنزلها يزورون ربهم تبارك وتعالى فيطعمون ويسقون ويطيبون ويحلون ويرفع الحجاب بينه فينظرون إليه وينظر إليهم عز وجل»
وهذا الحجاب على ما قال السادة من قبلهم لا من قبله عز وجل وأنشدوا:
وكنا حسبنا أن ليلى تبرقعت ... وأن حجابا دونها يمنع اللثما
فلاحت فلا والله ما ثم حاجب ... سوى أن طرفي كان عن حسنها أعمى
ثم إن أجهل الخلق عندهم المعتزلة وأشدهم عمى وأدناهم منزلة حيث أنكروا صحة رؤية من لا ظاهر سواه بل لا موجود على الحقيقة إلّا إياه وأدلة إنكارهم صحة رؤيته تعالى مذكورة مع ردودها في كتب الكلام وكذا أدلة القدوم على الصحة وكأني بك بعد الإحاطة وتدقيق النظر تميل إلى أنه سبحانه وتعالى يرى لكن لا من حيث ذاته سبحانه البحت ولا من حيث كل تجل حتى تجليه بنوره الشعشعاني الذي لا يطاق. وقرأ زيد بن عليّ «وجوه يومئذ نضرة» بغير ألف وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ أي شديدة العبوس وباسل أبلغ من باسر فيما ذكر لكنه غلب في الشجاع إذا اشتدت كلوحته فعدل عنه لإيهامه غير المراد وعنى بهذه الوجوه وجوه الكفرة تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ أي داهية عظيمة تقصم فقار الظهر من فقره أصاب فقاره وقال أبو عبيدة فاقِرَةٌ من فقرت البعير إذا وسمت أنفه بالنار وفاعل تَظُنُّ ضمير (الوجوه) بتقدير مضاف أي تظن أربابها وجوز أن يكون الضمير راجعا إليها على أن الوجه بمعنى الذات استخداما وفيه بعد. والظن قيل أريد به اليقين واختاره الطيبي وأن المصدرية لا تقع بعد فعل التحقيق الصرف دون فعل الظن أو ما يؤدي معنى العلم فتقع بعده كالمشددة والمخففة على ما نص عليه الرضي وقيل هو على معناه الحقيقي المشهور والمراد تتوقع ذلك واختاره من اختاره ولا دلالة فيه بواسطة التقابل على أن يكون النظر ثم بالمعنى المذكور كما زعمه من زعمه وتحقيق ذلك أن ما يفعل بهم في مقابلة النظر إلى الرب سبحانه لكون ذلك غاية النعمة وهذا غاية النقمة وجيء