يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ على ما ذهب إليه الزمخشري فالمعنى بناء على ما علمت من أن السؤال سؤال استهزاء واستبعاد استبعد البعث وأنكره فلم يأت بأصل الدين وهو التصديق بما يجب تصديقه به ولا بأهم فروعه وهو الصلاة ثم أكد ذلك بذكر ما يضاده بقوله تعالى وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى نفيا لتوهم السكوت أو الشك أي ومع ذلك أظهر الجحود والتولي عن الطاعة ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى يتبختر افتخارا بذلك ومن صدر عنه مثل ذلك ينبغي أن يخاف من حلول غضب الله تعالى به فيمشي خائفا متطامنا لا فرحا متبخترا فثم للاستبعاد ويَتَمَطَّى من المط فإن المتبختر يمد خطاه فيكون أصله يتمطط قلبت الطاء فيه حرف علة كراهة اجتماع الأمثال كما قالوا تظني من الظن وأصله تظنن أو من المطا وهو الظهر فإن المتبختر يلوي مطاه تبخترا فيكون معتلا بحسب الأصل
وفي الحديث «إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم فقد جعل بأسهم بينهم وسلط شرارهم على خيارهم»
وجعل الطيبي عطف هذه الجملة للتعجب على معنى يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ وما استعد له إلّا ما يوجب دماره وهلاكه. وقال إن قوله تعالى فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ إلخ جواب عن السؤال أقحم بين المعطوف والمعطوف عليه لشدة الاهتمام وأن قوله سبحانه لا تُحَرِّكْ
إلخ استطراد على ما سمعت وجعل صَدَّقَ من التصدق هو المروي عن قتادة وقال قوم: هو من التصديق أي فلا صدّق ماله ولا زكاه. قال أبو حيان: وهذا الذي يظهر نفي عنه الزكاة والصلاة وأثبت له التكذيب كما في قوله تعالى قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ [المدثر: ٤٣- ٤٦] وحمله على نفي التصديق يقتضي أن يكون ولكن كذب تكرارا ولزم أن يكون استدراكا بعد وَلا صَلَّى لا بعد فَلا صَدَّقَ لأنهما متوافقان وفيه نظر يعلم مما قررناه ثم إنه استبعد العطف على قوله تعالى يَسْئَلُ إلخ وذكر أن الآية نزلت في أبي جهل وكادت تصرح به في قوله تعالى يَتَمَطَّى فإنها كانت مشيته ومشية قومه بني مخزوم وكان يكثر منها ولم يبين حال العطف على هذا وأنت تعلم أن العطف لا يأبي حديث النزول في أبي جهل وقد قيل إن قوله تعالى أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ نازل فيه أيضا والحكم على الجنس بأحكام لا يضر فيه تعين بعض أفراده في حكم منها نعم لا شك في بعد هذا العطف لفظا لكن في بعده معنى مقال ولعل فيما بعد ما يقوي جانب العطف على ذاك أَوْلى لَكَ فَأَوْلى من الولي بمعنى القرب فهو للتفضيل في الأصل غلب في قرب الهلاك ودعاء السوء كأنه قيل هلاكا أولى لك بمعنى أهلكك الله تعالى هلاكا أقرب لك من كل شر، وهلاك وهذا كما غلب بعدا وسحقا في الهلاك وفي الصحاح عن الأصمعي قاربه ما يهلكه أي نزل به وأنشد:
فعادى بين هاديتين منها ... وأولى أن نزيد على الثلاث
أي قارب ثم قال قال ثعلب: ولم يقل أحد في أَوْلى أحسن مما قاله الأصمعي وعلى هذا أَوْلى فعل مستتر فيه ضمير الهلاك بقرينة السياق واللام مزيدة على ما قيل وقيل هو فعل ماض دعائي من الولي أيضا إلّا أن الفاعل ضميره تعالى واللام مزيدة أي أولاك الله تعالى ما تكرهه أو غير مزيدة أي أدنى الله الهلاك لك وهو قريب مما ذكر عن الأصمعي وعن أبي علي أن أَوْلى لَكَ علم للويل مبني على زنة أفعل من لفظ الويل على القلب وأصله أويل وهو غير منصرف للعلمية والوزن فهو مبتدأ ولَكَ خبره وفيه أن الويل غير منصرف فيه ومثل يوم أيوم مع أنه غير منقاس لا يفرد عن الموصوف البتة وأن القلب على خلاف الأصل لا يرتكب إلّا بدليل وإن علم الجنس شيء خارج عن القياس مشكل التعقل خاصة فيما نحن فيه، وقيل اسم فعل مبني ومعناه ويلك شر بعد شر. واختار جمع أنه أفعل تفضيل بمعنى الأحسن والأحرى خبر لمبتدأ محذوف يقدر كما يليق بمقامه فالتقدير هنا النار أولى لك أي أنت أحق بها وأهل لها فَأَوْلى ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى تكرير للتأكيد وقد تقدم الكلام في ذلك فتذكر. والظاهر أن الجملة