والطائف. وفي رواية الضحاك عنه أنه خلق من طين فأقام أربعين سنة ثم من حمأ مسنون فأقام أربعين سنة ثم من صلصال فأقام أربعين سنة فتم خلقه بعد مائة وعشرين سنة ثم نفخ فيه الروح. وحكى الماوردي عنه أن الحين المذكور هاهنا هو الزمن الطويل الممتد الذي لا يعرف مقداره. وروي نحوه عن عكرمة فقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أنه قال إن من الحين حينا لا يدرك وتلا الآية فقال: والله ما يدري كم أتى عليه حتى خلقه الله تعالى. ورأيت لبعض المتصوفة أن هل للاستفهام الإنكاري فهو في معنى النفي أي ما أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا وظاهره القول بقدم الإنسان في الزمان على معنى أنه لم يكن زمان إلّا وفيه إنسان وهو القدم النوعي كما قال به من قال من الفلاسفة وهو كفر بالإجماع ووجه بأنهم عنوا شيئية الثبوت لقدم الإنسان عندهم بذلك الاعتبار دون شيئية الوجود ضرورة أنه بالنسبة إليها حادث زمانا ويرشد إلى هذا قول الشيخ محيي الدين في الباب ٣٥٨ من الفتوحات المكية لو لم يكن في العالم من هو على صورة الحق ما حصل المقصود من العلم بالحق أعني العلم الحادث في قوله سبحانه:
«كنت كنزا لم أعرف فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق وتعرفت إليهم فعرفوني»
فجعل نفسه كنزا والكنز لا يكون إلّا مكتنزا في شيء فلم يكن كنز الحق نفسه إلّا في صورة الإنسان الكامل في شيئية ثبوته هناك كان الحق مكنوزا فلما ألبس الحق الإنسان شيئية الوجود ظهر الكنز بظهوره فعرفه الإنسان الكامل بوجوده وعلم أنه كان مكنوزا فيه في شيئية ثبوته وهو لا يشعر به انتهى ولا يخفى أن الأشياء كلها في شيئية الثبوت قديمة لا الإنسان وحده، ولعلهم يقولون الإنسان هو كل شيء لأنه الإمام المبين وقد قال سبحانه وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ [يس: ١٢] والكلام في هذا المقام طويل ولا يسعنا أن نطيل بيد أنّا نقول كون هَلْ هنا للإنكار منكر وأن دعوى صحة ذلك لإحدى الكبر والذي فهمه أجلة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم من الآية الإخبار الإيجابي. أخرج عبد بن حميد وغيره عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه سمع رجلا يقرأ «هل أتى على الإنسان شيء من الدهر لم يكن شيئا مذكورا» فقال ليتها تمت. وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه سمع رجلا يتلو ذلك فقال يا ليتها تمت فعوقب في قوله هذا فأخذ عمودا من الأرض فقال يا ليتني كنت مثل هذا أَمْشاجٍ جمع مشج بفتحتين كسبب وأسباب، أو مشج بفتح فكسر ككتف وأكتاف، أو مشيج كشهيد وأشهاد ونصير وأنصار أي أخلاط جمع خلط بمعنى مختلط ممتزج، يقال: مشجت الشيء إذا خلطته ومزجته فهو مشيج وممشوج، وهو صفة لنطفة ووصف بالجمع وهي مفردة لأن المراد بها مجموع ماء الرجل والمرأة والجمع قد يقال على ما فوق الواحد أو باعتبار الأجزاء المختلفة فيهما رقة وغلظا وصفرة وبياضا وطبيعة وقوة وضعفا حتى اختص بعضها ببعض الأعضاء على ما أراده الله تعالى بحكمته فخلقه بقدرته. وفي بعض الآثار أن ما كان من عصب وعظم وقوة فمن ماء الرجل، وما كان من لحم ودم فمن ماء المرأة، والحاصل أنه نزل الموصوف منزلة الجمع ووصف بصفة أجزائه وقيل هو مفرد جاء على أفعال كأعشار وأكياش في قولهم برمة أعشار أي متكسرة وبرد أكيش أي مغزول غزله مرتين. واختاره الزمخشري والمشهور عن نص سيبويه وجمهور النحاة أن أفعالا لا يكون جمعا وحكي عنه أنه ذهب إلى ذلك في العام ومعنى نطفة مختلطة عند الأكثرين نطفة اختلط وامتزج فيها الماءان، وقيل: اختلط فيها الدم والبلغم والصفراء والسوداء وقيل الأمشاج نفس الأخلاط التي هي عبارة عن هذه الأربعة فكأنه قيل من نطفة هي عبارة عن أخلاط أربعة. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد أنه قال: أمشاج أي ألوان أي ذات ألوان فإن ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اختلطا ومكثا في قعر الرحم اخضرّا كما يخضر الماء بالمكث، وروي عن الكلبي وأخرج عن زيد بن أسلم أنه قال: الأمشاج العروق التي في النطفة، وروي