وهو كما تقول شربت الماء بالعسل هذا إذا جعل كافور علم عين في الجنة وأما على القولين الآخرين فقيل وجه الباء أن يجعل الكلام من باب:
يجرح في عراقيبها نصلي لإفادة المبالغة. وقيل: الباء للتعدية وضمن يَشْرَبُ معنى يروى فعدي بها وقيل هي بمعنى من، وقيل: هي زائدة والمعنى يشربها كما في قول الهزلي:
شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متى لحج خضر لهن نئيج
ويعضد هذا قراءة ابن أبي عبلة «يشربها» وقيل ضمير بِها للكأس، والمعنى يشربون العين بتلك الكأس وعليه يجوز أن يكون عَيْناً مفعولا ليشرب مهدما عليه وعِبادُ اللَّهِ المؤمنون أهل الجنة يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً صفة أخرى لعينا أي يجرونها حيث شاؤوا من منازلهم إجراء سهلا لا يمتنع عليهم على أن التنكير للتنويع. أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن ابن شوزب أنه قال: معهم قضبان ذهب يفجرون بها فيتبع الماء قضبانهم. وفي بعض الآثار أن هذه العين في دار رسول الله صلّى الله عليه وسلم تفجر إلى دور الأنبياء عليهم السلام والمؤمنين يُوفُونَ بِالنَّذْرِ استئناف مسوق لبيان ما لأجله يرزقون هذا النعيم مشتمل على نوع تفصيل لما ينبىء عنه اسم الأبرار إجمالا كأنه قيل: ماذا يفعلون حتى ينالوا تلك المرتبة العالية؟ فقيل: يوفون إلخ، وأفيد أنه استئناف للبيان ومع ذلك عدل عن أوفوا إلى المضارع للإستحضار والدلالة على الاستمرار والوفاء بالنذر كناية عن أداء الواجبات كلها العلم ما عداه بالطريق الأولى وإشارة النص فإن من أوفى بما أوجبه على نفسه كان إيفاء ما أوجبه الله تعالى عليه أهم له وأحرى، وجعل ذلك كناية هو الذي يقتضيه ما روي عن قتادة وعن عكرمة ومجاهد إبقاؤه على الظاهر قالا: أي إذا نذروا طاعة فعلوها وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ عذابه مُسْتَطِيراً فاشيا منتشرا في الأقطار غاية الانتشار من استطار الحريق والفجر وهو أبلغ من طار لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، وللطلب أيضا دلالة على ذلك لأن ما يطلب من شأنه أن يبالغ فيه. وفي وصفهم بذلك إشعار بحسن عقيدتهم واجتنابهم عن المعاصي وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ أي كائنين على حب الطعام أي مع اشتهائه والحاجة إليه فهو من باب التتميم ويجاوبه من القرآن قوله تعالى لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: ٩٢] وروي عن ابن عباس ومجاهد أو على حب الإطعام بأن يكون ذلك بطيب نفس وعدم تكلف، وإليه ذهب الحسن بن الفضل وهو حسن أو كائنين على حب الله تعالى أو إطعاما كائنا على حبه تعالى ولوجهه سبحانه وابتغاء مرضاته عز وجل وإليه ذهب الفضيل بن عياض وأبو سليمان الداراني. ف عَلى حُبِّهِ من باب التكميل وزيفه بعضهم وقال الأول هو الوجه ويجاوبه القرآن على أن في قوله تعالى لوجه الله بعد غنية عن قوله سبحانه لوجه الله وفيه نظر بل لعله الأنسب لذاك، وذكر الطعام مع أن الإطعام يغني عنه لتعيين مرجع الضمير على الأول، ولأن الطعام كالعلم فيما فيه قوام البدن واستقامة البنية وبقاء النفس ففي التصريح به تأكيد لفخامة فعلهم على الأخيرين ويجوز أن يعتبر على الأول أيضا ثم الظاهر أن المراد بإطعام الطعام حقيقته. وقيل هو كناية عن الإحسان إلى المحتاجين والمواساة معهم بأي وجه كان وإن لم يكن ذلك بالطعام بعينه فكأنه ينفعون بوجوه المنافع مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً قيل أي أسير كان،
فعن الحسن أنه صلّى الله عليه وسلم كان يؤتى بالأسير فيدفعه إلى بعض المسلمين فيقول:«أحسن إليه» فيكون عنده اليومين والثلاثة فيؤثره على نفسه
وقال قتادة: كان أسيرهم يومئذ المشرك وأخوك المسلم أحق أن تطعمه.