تعالى عنها فرآها في محرابها قد التصق بطنها بظهرها وغارت عيناها من شدة الجوع فرق لذلك صلّى الله عليه وسلم وساءه ذلك فهبط جبريل عليه السلام فقال: خذها يا محمد هنّاك الله تعالى في أهل بيتك قال: «وما آخذ يا جبريل» فاقرأه هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ
السورة
وفي رواية ابن مهران فوثب النبي صلّى الله عليه وسلم حتى دخل على فاطمة فأكب عليها يبكي فهبط جبريل عليه السلام بهذه الآية إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ
إلى آخره وفي رواية عن عطاء أن الشعير كان عن أجرة سقي نخل وأنه جعل في كل يوم ثلث منه عصيدة فآثروا بها
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنه قال في قوله سبحانه وَيُطْعِمُونَ إلخ نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه وفاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعليهم وسلم
ولم يذكر القصة والخبر مشهور بين الناس وذكره الواحدي في كتاب البسيط وعليه قول بعض الشيعة:
إلا إلام وحتى متى ... أعاتب في حب هذا الفتى
وهل زوجت غيره فاطم ... وفي غيره هل أتى هل أتى
وتعقب بأنه خبر موضوع مفتعل كما ذكره الترمذي وابن الجوزي وآثار الوضع ظاهرة عليه لفظا ومعنى، ثم إنه يقتضي أن تكون السورة مدنية لأن بناء علي كرم الله تعالى وجهه على فاطمة رضي الله تعالى عنها كان بالمدينة وهي عند ابن عباس المروي هو عنه على ما أخرج النحاس مكية وكذا عند الجمهور في قول. وأقول أمر مكيتها ومدنيتها مختلف فيه جدا كما سمعت فلا جزم فيه بشيء وابن الجوزي نقل الخبر في تبصرته ولم يتعقبه على أنه ممن يتساهل في أمر الوضع حتى قالوا إنه لا يعول عليه في هذا الباب فاحتمال أصل النزول في الأمير كرم الله تعالى وجهه وفاطمة رضي الله تعالى عنها قائم ولا جزم بنفي ولا إثبات لتعارض الأخبار ولا يكاد يسلم المرجح عن قيل وقال، نعم لعله يترجح عدم وقوع الكيفية التي تضمنتها الرواية الأولى، ثم إنه على القول بنزولها فيهما لا يتخصص حكمها بهما بل يشمل كل من فعل مثل ذلك كما ذكره الطبرسي من الشيعة في مجمع البيان راويا له عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه وعلى القول بعدم النزول فيهما لا يتطامن مقامهما ولا ينقص قدرهما إذ دخولهما في الأبرار أمر جلي بل هو دخول أولى فهما هما وماذا عسى يقول امرؤ فيهما سوى أن عليا مولى المؤمنين ووصي النبي وفاطمة البضعة الأحمدية والجزء المحمدي وأما الحسنان فالروح والريحان وسيدا شباب الجنان وليس هذا من الرفض بشيء بل ما سواه عندي هو الغيّ:
أنا عبد الحق لا عبد الهوى ... لعن الله الهوى فيمن لعن
ومن اللطائف على القول بنزولها فيهم أنه سبحانه لم يذكر فيها الحور العين وإنما صرح عز وجل بولدان مخلدين رعاية لحرمة البتول وقرة عين الرسول لئلا تثور غيرتها الطبيعية إذا أحست بضرة وهي في أفواه تخيلات الطباع البشرية ولو في الجنة مرة. ولا يخفى عليك أن هذا زهرة ربيع ولا تتحمل الفرك ثم التذكير على ذلك أيضا من باب التغليب.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه «جازاهم»
على وزن فاعل مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ حال من (هم) في جَزاهُمْ والعامل جزى وخص الجزاء بهذه الحالة لأنها أتم حالات المتنعم ولا يضر في ذلك قوله تعالى بِما صَبَرُوا لأن الصبر في الدنيا وما تسبب عليه في الآخرة وقيل صفة الجنة ولم يبرز الضمير مع أن الصفة جارية على غير من هي عليه فلم يقل متكئين هم فيها لعدم الإلباس كما في قوله:
قومي ذري المجد بانوها وقد علمت ... بكنه ذلك عدنان وقحطان