الحق لا وجوبا كما زعم من زعم فاشتدوا وعظم أمرهم ونشروا دينهم وما جاؤوا به ففرقوا بين الحق والباطل والحلال والحرام فألقوا ذكرا بين المكلفين، ويجوز أن يراد على هذا بعرفا متتابعة. وقيل: أقسم تبارك وتعالى بالنفوس الكاملة أي المخلوقة على صفة الكمال والاستعداد لقبول ما كلفت به وخلقت لأجله المرسلة إحسانا إلى الأبدان لاستكمالها فعصفن وأذهبن ما سوى الحق بالنظر في الأدلة الحقة ففرقن بين الحق المتحقق بذاته الذي لا مدخل للغير فيه وهو واجب الوجود سبحانه وبين الباطل المعدوم في نفسه فرأين كل شيء هالكا إلّا وجهه فألقين في القلوب والألسنة ومكن فيها ذكره تعالى فليس في قلوبها وألسنتها إلّا ذكره عز وجل، أو طرحن ذكر غيره سبحانه عن القلوب والألسنة فلا ذكر فيها لما عداه. وقيل: الثلاثة الأول الرياح والأخيرتان الملائكة عليهم السلام وقيل بالعكس، والمناسبة باللطافة وسرعة الحركة وقيل الأولتان الملائكة إلّا أن المرسلات ملائكة الرحمة، والعاصفات ملائكة العذاب، والثلاثة الأخيرة آيات القرآن النازلة بها الملائكة.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر من وجه عن أبي صالح أنه قال: الْمُرْسَلاتِ عُرْفاً الرسل ترسل بالمعروف، فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً الريح والنَّاشِراتِ نَشْراً المطر، فَالْفارِقاتِ فَرْقاً الرسل ومن وجه آخر الْمُرْسَلاتِ عُرْفاً الملائكة فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً الرياح العواصف وَالنَّاشِراتِ نَشْراً الملائكة ينشرون الكتب أي كتب الأعمال كما جاء مصرحا به في بعض الروايات فَالْفارِقاتِ فَرْقاً الملائكة يفرقون بين الحق والباطل فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً الملائكة أيضا يجيئون بالقرآن والكتاب عُذْراً أَوْ نُذْراً منه تعالى إلى الناس وهم الرسل يعذرون وينذرون. وعن أبي صالح روايات أخر في ذلك وكذا عن أجلة الصحابة والتابعين، فعن ابن مسعود وأبي هريرة ومقاتل الْمُرْسَلاتِ الملائكة أرسلت بالعرف ضد النكر وهو الوحي.
وفي أخرى عن ابن مسعود أنها الرياح وفسر العاصفات بالشديدات الهبوب. وروي تفسير الْمُرْسَلاتِ بذلك عن ابن عباس ومجاهد وقتادة. وفي أخرى عن ابن عباس أنها جماعة الأنبياء أرسلت إفضالا من الله تعالى على عباده وعن أبي مسعود النَّاشِراتِ الرياح تنشر رحمة الله تعالى ومطره. وروي عن مجاهد وقتادة وقال الربيع: الملائكة تنشر الناس من قبورهم، قال الضحاك: الصحف تنشر على الله تعالى بأعمال العباد وعليه تكون النَّاشِراتِ على معنى النسب. وعن ابن مسعود وابن عباس ومجاهد والضحاك «الفارقات» الملائكة تفرق بين الحق والباطل والحلال والحرام. وقال قتادة والحسن وابن كيسان: آيات القرآن فرّقت بين ما يحل وما يحرم. وعن مجاهد أيضا الرياح تفرق بين السحاب فتبدده. وعن ابن عباس وقتادة والجمهور «الملقيات» الملائكة تلقي ما حملت من الوحي إلى الأنبياء. وعن الربيع آيات القرآن ومن الناس من فسر «العاصفات» بالآيات المهلكة كالزلازل والصواعق وغيرها، ومنهم من فسر «الفارقات» بالسحائب الماطرة على تشبيهها بالناقة الفاروق وهي الحامل التي تجزع حين تضع، ومنهم من فسرها بالعقول تفرق بين الحق والباطل والصحيح والفاسد إلى غير ذلك من الروايات والأقوال التي لا تكاد تنضبط والذي أخاله أظهر كون المقسم به شيئين «المرسلات العاصفات والناشرات الفارقات الملقيات» لشدة ظهور العطف بالواو في ذلك وكون الكل من جنس الريح لأنه أوفق بالمقام المتضمن لأمر الحشر والنشر لما أن الآثار المشاهدة المترتبة على الرياح ترتبا قريبا وبعيدا تنادي بأعلى صوت حتى يكاد يشبه صوت النفخ في الصور على إمكان ذلك وصحته ودخوله في حيطة مشيئة الله تعالى وعظيم قدرته ومع هذا الأقوال كثيرة لديك وأنت غير مجحود عليك فاختر لنفسك ما يحلو.