يشعر به الكلام والاستفهام للتعظيم والتعجيب من هول ذلك اليوم أي إذا كان كذا وكذا يقال: لأي يوم أخرت الأمور المتعلقة بالرسل من تعذيب الكفرة وإهانتهم وتنعيم المؤمنين ورعايتهم وظهور ما كانت الرسل عليهم السلام تذكره من الآخرة وأحوالها وفظاعة أمورها وأهوالها. وجوز أن يكون الضمير للأمور المشار إليها فيما قبل من طمس النجوم وفرج السماء ونسف الجبال وتأقيت الرسل وأن يكون للرسل إلّا أن المعنى على نحو ما تقدم. وقيل أن يكون القول المقدر في موضع الحال من مرفوع أُقِّتَتْ أي مقولا فيها لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ وأن تكون الجملة نفسها من غير تقدير قول في موضع المفعول الثاني لأقتت على أنه بمعنى أعلمت كأنه قيل: وإذا الرسل أعلمت وقت تأجيلها أي بمجيئه وحصوله. وجواب إِذَا على الوجهين قيل قوله تعالى الآتي وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ وجاء حذف الفاء في مثله. وقيل محذوف لدلالة الكلام عليه أي وقع الفصل أو وقع ما توعدون. واختار هذا أبو حيان ويجوز على احتمال كون الجواب وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ أو تقدير المقدر مؤخرا كون جملة لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ اعتراضا لتهويل شأن ذلك اليوم. وقوله تعالى لِيَوْمِ الْفَصْلِ بدل من لِأَيِّ يَوْمٍ مبين له، وقيل: متعلق بمقدر تقديره أجلت ليوم الفصل بين الخلائق وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ أي أي شيء جعلك داريا ما هو على أن ما الأولى مبتدأ وأَدْراكَ خبره، وما الثانية خبر مقدم ويَوْمُ مبتدأ مؤخر لا بالعكس كما اختاره سيبويه لأن محط الفائدة بيان كون يَوْمُ الْفَصْلِ أمرا بديعا لا يقادر قدره ولا يكتنه كنهه كما يفيده خبرية ما لا بيان كون أمر بديع من الأمور يوم الفصل كما يفيده عكسه. ووضع الظاهر موضع الضمير لزيادة التفظيع والتهويل المقصودين من الكلام وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ أي في ذلك اليوم الهائل ووَيْلٌ في الأصل مصدر بمعنى هلاك وكان حقه النصب بفعل من لفظه أو معناه إلّا أنه رفع على الابتداء للدلالة على ثبات الهلاك ودوامه للمدعو عليه ويَوْمَئِذٍ ظرفه أو
صفته فمسوغ الابتداء به ظاهر والمشهور أن مسوغ ذلك كونه للدعاء كما في سَلامٌ عَلَيْكُمْ [الرعد: ٢٤] أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ كقوم نوح وعاد وثمود. وقرأ قتادة «نهلك» بفتح النون على أنه من هلكه بمعنى أهلكه ومنه هالك بمعنى مهلك كما هو الظاهر في قول العجاج:
ومهمه هالك من تعرجا ... هائلة أهواله من أدرجا
لئلا يلزم حذف الضمير مع حرف الجر أعني به أو فيه وليناسب ما في الشطر الثاني ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ بالرفع على الاستئناف وهو وعيد لأهل مكة وإخبار عما يقع بعد الهجرة كبدر كأنه قيل: ثم نحن نفعل بأمثالهم من الآخرين مثل ما فعلنا بالأولين ونسلك بهم سبيلهم لأنهم كذبوا مثل تكذيبهم. ويقويه قراءة عبد الله «ثم سنتبعهم» بسين الاستقبال وجوز العطف على قوله تعالى أَلَمْ نُهْلِكِ إلى آخره. وقرأ الأعرج والعباس عن أبي عمرو «نتبعهم» بإسكان العين فحمل على الجزم والعطف على نُهْلِكِ فيكون المراد بالآخرين المتأخرين هلاكا من المذكورين كقوم لوط وشعيب وموسى عليهم السلام دون كفار أهل مكة لأنهم بعد ما كانوا قد أهلكوا والعطف على نُهْلِكِ يقتضيه. وجوز أن يكون قد سكن تخفيفا كما في وَما يُشْعِرُكُمْ [الأنعام: ١٠٩] فهو مرفوع كما في قراءة الجمهور إلّا أن الضمة مقدرة كَذلِكَ مثل ذلك الفعل الفظيع نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ أي بكل من أجرم والمراد أن سنتنا جارية على ذلك وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ أي يوم إذ أهلكناهم لِلْمُكَذِّبِينَ بآيات الله تعالى وأنبيائه عليهم السلام وليس فيه تكرير لما أن الويل الأول لعذاب الآخرة وهذا لعذاب الدنيا. وقيل: لا تكرير لاختلاف متعلق المكذبين في الموضعين بأن يكون متعلقة هنا ما