الرجف راجفا. وجوز أن تفسر الراجفة بالمحركة ويكون ذلك حقيقة لأن رجف يكون بمعنى حرك وتحرك كما في القاموس وهي النفخة الأولى. وقيل: المراد بها الأجرام الساكنة التي تشتد حركتها حينئذ كالأرض والجبال لقوله تعالى يوم تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ [المزمل: ١٤] وتسميتها راجفة باعتبار الأول ففيه مجاز مرسل وبه يتضح فائدة الإسناد وقوله تعالى: تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ أي الواقفة أو النفخة التي تردف وتتبع الأولى وهي النفخة الثانية. وقيل الأجرام التابعة وهي السماء والكواكب فإنها تنشق وتنتشر بعد والجملة حال من الرَّاجِفَةُ مصححة لوقوع اليوم ظرفا للبعث لإفادتها امتداد الوقت وسعته حيث أفادت أن اليوم زمان الرجفة المقيدة بتبعية الرادفة لها وتبعية الشيء الآخر فرع وجود ذلك الشيء فلا بد من امتداد اليوم إلى الرادفة واعتبار امتداده مع أن البعث لا يكون عند الرادفة أعني النفخة الثانية، وبينها وبين الأولى أربعون لتهويل اليوم ببيان كونه موقعا لداهيتين عظيمتين. وقيل: يَوْمَ تَرْجُفُ منصوب باذكر فتكون الجملة استئنافا مقرر المضمون الجواب المضمر كأنه قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلم اذكر لهم يوم النفختين فإنه وقت بعثهم وقيل هو منصوب بما دل عليه قوله تعالى قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ أي يوم ترجف وجفت القلوب أي اضطربت، يقال: وجف القلب وجيفا اضطرب من شدة الفزع وكذلك وجب وجيبا. وروي عن ابن عباس أن واجِفَةٌ بمعنى خائفة بلغة همدان. وعن السدّي زائلة عن مكانها ولم يجعل منصوبا بواجفة لأنه نصب ظرفه أعني يَوْمَئِذٍ والتأسيس أولى من التأكيد فلا يحمل عليه كيف، وحذف المضاف وإبدال التنوين مما يأباه أيضا ورفع قُلُوبٌ على الابتداء ويَوْمَئِذٍ متعلق ب واجِفَةٌ وهي الخبر على ما قيل وهو الأظهر كما في قوله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ [القيامة: ٢٢- ٢٤] . وجاز الابتداء بالنكرة لأن تنكيرها للتنويع وهو يقوم مقام الوصف المخصص. نعم التنويع في النظير أظهر لذكر المقابل بخلاف ما نحن فيه ولكن لا فرق بعد ما ساق المعنى إليه وإن شئت فاعتبر ذلك للتكثير كما اعتبر في: شرّ أهرّ ذا ناب وقيل: واجِفَةٌ صفة قُلُوبٌ مصححة للابتداء بها.
وقوله تعالى: أَبْصارُها خاشِعَةٌ أي أبصار أهلها ذليلة من الخوف ولذلك أضافها إليها فالإضافة لأدنى ملابسة، وجوز أن يراد بالأبصار البصائر أي صارت البصائر ذليلة لا تدرك شيئا فكنى بذلها عن عدم إدراكها لأن عز البصيرة إنما هي بالإدراك، وبحث في كون القلوب غير مدركة يوم القيامة وأجيب بأن المراد شدة الذهول والحيرة جملة من مبتدأ وخبر في محل رفع على الخبرية لقلوب. وتعقب بأنه قد اشتهر أن حق الصفة أن تكون معلومة الانتساب إلى الموصوف عند السامع حتى قال غير واحد: إن الصفات قبل العلم بها أخبار والأخبار بعد العلم بها صفات، فحيث كان ثبوت الوجيف وثبوت الخشوع لأبصار أصحاب القلوب سواء في المعرفة والجهالة كان جعل الأول عنوان الموضوع مسلم الثبوت مفروغا عنه، وجعل الثاني مخبرا به مقصود الإفادة تحكما بحتا على أن الوجيف الذي هو عبارة عن اضطراب القلب وقلقه من شدة الخوف والوجل أشد من خشوع البصر وأهول فجعل وأهول الشرين عمدة وأشدهما فضلة مما لا عهد له في الكلام، وأيضا فتخصيص الخشوع بقلوب موصوفة بصفة معينة غير مشعرة بالعموم والشمول تهوين للخطب في موقع التهويل انتهى. وأنت تعلم أن المشتهر وما قاله غير واحد غير مجمع على اطّراده وأن بعض ما اعترض به يندفع على ما يفهمه كلام بعض الأجلّة من جواز جعل المفرد خبرا والجملة بعد صفة لكنه بعيد وما قيل على الأول من أن جعل التنوين للتنويع مع إلباسه مخالف للظاهر وكونه كالوصف معنى تعسف خروج عن الإنصاف. وزعم ابن