عن العمل بمقتضاهما وإما ما عداهما من التسع فإنما ظهر على يده عليه السلام بعد ما غلب السحرة على مهل في نحو من عشرين سنة. وزعم غلاة الشيعة أن الآية الكبرى عليّ كرم الله تعالى وجهه أراه إياه متطورة روحه الكريمة بأعظم طور وهو هذيان وراء طور العقل وطور النقل فَكَذَّبَ بموسى عليه السلام وسمى معجزته سحرا وَعَصى الله تعالى بالتمرد بعد ما علم صحة الأمر ووجوب الطاعة أشد عصيان وأقبحه حيث اجترأ على إنكار وجود رب العالمين رأسا وكان اللعين وقومه مأمورين بعبادته عز وجل وترك العظمة التي يدعيها الطاغية ويقبلها منه فئته الباغية لا بإرسال بني إسرائيل من الأسر والقسر فقط، وفي جعل متعلق التكذيب موسى عليه السلام ومتعلق العصيان الله عز وجل ما ليس في جعلهما موسى كما قيل فكذب موسى عصاه من الذم كما لا يخفى.
ثُمَّ أَدْبَرَ تولى عن الطاعة يَسْعى أي ساعيا مجتهدا في إبطال أمره عليه السلام ومعارضة الآية وثم لأن إبطال ذلك ونقضه يقتضي زمانا طويلا، وجوز أن يكون الإدبار على حقيقته أي ثم انصرف عن المجلس ساعيا في إبطال ذلك، وقيل: أدبر يسعى هاربا من الثعبان فإنه روي أنه لما ألقى العصا انقلبت ثعبانا أشعر فاغرا فاه بين لحييه ثمانون ذراعا فوضع لحيه الأسفل على الأرض والأعلى على سور القصر فهرب فرعون وأحدث وانهزم الناس مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون ألفا من قومه. وفي بعض الآثار أنها انقلبت حية وارتفعت في السماء قدر ميل ثم انحطت مقبلة نحو فرعون وجعلت تقول: يا موسى مرني بما شئت، يقول فرعون:
أنشدك بالذي أرسلك إلّا أخذته فأخذه فعاد عصى، وأنت تعلم أن هذا إن كان بعد حشر السحرة للمعارضة كما هو المشهور فلا تظهر صحة إرادته هاهنا إذا أريد بالحشر بعد حشرهم وإن كان بعد التكذيب والعصيان وقبل الحشر فلا يظهر تراخيه عن الأولين نعم قيل إن ثم عليه للدلالة على استبعاد إدباره مرعوبا مسرعا مع زعمه الإلهية وقيل: أريد بقوله سبحانه ثُمَّ أَدْبَرَ ثم أقبل يفعل أي أنشأ لكن جعل الإدبار موضع الإقبال تلميحا وتنبيها على أنه كان عليه دمارا وإدبارا فَحَشَرَ أي فجمع السحرة لقوله تعالى فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ [الشعراء: ٥٣] وقوله سبحانه فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى [طه: ٦٠] أي ما يكاد به من السحرة وآلاتهم وقيل جمع جنوده وجوز أن يراد جمع أهل مملكته فَنادى في المجمع نفسه أو بواسطة المنادي وأيد الأول بقوله تعالى فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى وعلى الثاني فيه تقدير أي فقال: يقول فرعون أَنَا رَبُّكُمُ إلخ مع ما في الثاني من التجوز وفي بعض الآثار أنه قام فيهم خطيبا فقال تلك العظيمة وأراد اللعين تفضيل نفسه على كل من يلي أمورهم فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى النكال بمعنى التنكيل كالسلام بمعنى التسليم وهو التعذيب الذي ينكل من رآه أو سمعه ويمنعه من تعاطي ما يفضي إليه وهو نصب على أنه مصدر مؤكد ك وَعْدَ اللَّهِ [النساء: ١٢٢ وغيرها] وصِبْغَةَ اللَّهِ [البقرة: ١٣٨] كأنه قيل نكل الله تعالى به نكال الآخرة والأولى وهو الإحراق في الآخرة والإغراق والإذلال في الدنيا، وجوز أن يكون نصبا على أنه مفعول مطلق لأخذ أي أخذه الله تعالى أخذ نكال الآخرة إلخ. وأن يكون مفعولا له أي أخذه لأجل نكال إلخ. وأن يكون نصبا بنزع الخافض أي أخذه بنكال الآخرة والأولى وإضافته إلى الدارين باعتبار وقوع نفس الأخذ فيهما لا باعتبار أن ما فيه من معنى المنع يكون فيهما فإن ذلك لا يتصور في الآخرة بل في الدنيا فإن العقوبة الأخروية تنكل من سمعها وتمنعه من تعاطي ما يؤدي إليها فيها وأن يكون في تأويل المشتق حالا وإضافته على معنى في أي منكلا لمن رآه أو سمع به في الآخرة والأولى، وجوز أن تكون الإضافة عليه لامية وحمل الآخرة والأولى على الدارين هو الظاهر. وروي عن الحسن وابن زيد وغيرهما وعن ابن عباس وعكرمة