للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأكثرون على الأول. وأنشد الإمام بيت زيد فيه والظاهر أن دحوها بعد خلقها وقيل مع خلقها فالمراد خلقها مدحوة وروي الأول عن ابن عباس ودفع به توهم تعارض بين آيتين. أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أن رجلا قال له: آيتان في كتاب الله تعالى تخالف إحداهما الأخرى، فقال: إنما أتيت من قبل رأيك اقرأ قال قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ- حتى بلغ- ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ [فصلت: ٩- ١١] وقوله تعالى وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها قال: خلق الله تعالى الأرض قبل أن يخلق السماء، ثم خلق السماء ثم دحا الأرض بعد ما خلق السماء، وإنما قوله سبحانه دَحاها بسطها وتعقبه الإمام بأن الجسم العظيم يكون ظاهره كالسطح المستوي ويستحيل أن يكون هذا الجسم العظيم مخلوقا ولا يكون ظاهره مدحوا مبسوطا. وأجيب أنه لعل مراد القائل بخلقها أولا ثم دحوها ثانيا خلق مادتها أولا ثم تركيبها وإظهارها على هذه الصورة والشكل مدحوة مبسوطة وهذا كما قيل في قوله تعالى ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ [البقرة: ٢٩] إن السماء خلقت مادتها أولا ثم سويت وأظهرت على صورتها اليوم. وعن الحسن ما يدل على أنها كانت يوم خلقت قبل الدحو كهيئة الفهر ويشعر بأنها لم تكن على عظمها اليوم وتعقبه بعضهم بشيء آخر وهو أنه يأبى ذلك قوله تعالى خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ [البقرة: ٢٩] الآية فإنه يفيد أن خلق ما في الأرض قبل خلق السماوات، ومن المعلوم أن خلق ما فيها إنما هو بعد الدحو فكيف يكون الدحو بعد خلق السماوات. وأجيب بأن خَلَقَ في الآية بمعنى قدر أو أراد الخلق ولا يمكن أن يراد به فيها الإيجاد بالفعل ضرورة أن جميع المنافع الأرضية يتجدد إيجادها أولا فأولا سلمنا أن المراد الإيجاد بالفعل لكن يجوز أن يكون المراد خلق مادة ذلك بالفعل، ومن الناس من حمل ثُمَّ على التراخي الرتبي لأن خلق السماء أعجب من خلق الأرض. وقال عصام الدين إن بَعْدَ ذلِكَ هنا كما في قوله تعالى عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ [القلم: ١٣] يعني فعل بالأرض ما فعل بعد ما سمعت في السماء. والمراد التأخير في الأخبار فخلق الأرض ودحوها وإخراج مائها ومرعاها وإرساء الجبال عليها عنده قبل خلق السماء كما يقتضيه ظاهر آية البقرة وظاهر آية الدخان، وأيد حمل البعدية على ما ذكر بأن حملها على ظاهرها مع حمل الإشارة على الإشارة إلى مجموع ما تقدم مما سمعت يلزم عليه أن إغطاش الليل وإبراز النهار كانا قبل خلق الأرض ودحوها وذلك مما لا يتسنى على تقدير أنها غير مخلوقة أصلا ومما يبعد على تقدير أنها مخلوقة غير عظيمة، وأيضا قيل لو لم تحمل البعدية ما ذكر وقيل بنحو ما قال ابن عباس من تأخر الدحو عن خلق السماء مع تقدم خلق الأرض من غير دحو على خلقها لم تنحسم مادة الإشكال إذ آية الدخان ظاهرة في أن جعل الرواسي في الأرض قبل خلق السماء وتسويتها، وهذه الآية إلى آخرها ظاهرة في أن جعل الرواسي بعد وبالجملة أنه قد اختلف أهل التفسير في أن خلق السماء مقدم على خلق الأرض أو مؤخر؟ فقال ابن الطاشكبري: نقل الواحدي عن مقاتل أن خلق السماء مقدم على خلق الأرض واختاره جمع لكنهم قالوا إن خلق ما فيها مؤخر وأجابوا عما هنا وآية البقرة بأن الخلق فيها بمعنى التقدير أو بمعنى الإيجاد وتقدير الإرادة، وأن البعدية هاهنا لإيجاد الأرض وجميع ما فيها وعما هنا وآية الدخان بنحو ذلك فقدروا الإرادة في قوله تعالى خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ [فصلت: ٩] وكذا في قوله سبحانه وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وقالوا: يؤيد ما ذكر قوله تعالى فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ [فصلت: ١١] فإن الظاهر أن المراد ائْتِيا في الوجود ولو كانت الأرض موجودة سابقة لما صح هذا فكأنه قال سبحانه: أئنكم لتكفرون بالذي أراد إيجاد الأرض وما فيها من الرواسي والأقوات في أربعة أيام ثم قصد إلى السماء فتعلقت إرادته بإيجاد السماء والأرض فأطاعا لأمر التكوين فأوجد سبع

<<  <  ج: ص:  >  >>