للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحد. وأصل البعثرة على ما قيل تبديد التراب ونحوه وهو إنما يكون لإخراج شيء تحته فقد يذكر ويراد معناه ولازمه معا وعليه ما سمعت. وقد يتجوز به عن البعث والإخراج كما في العاديات حيث أسند فيها لما في القبور دونها كما هنا وزعم بعض أنه مشترك بين النبش والإخراج وذهب بعض الأئمة كالزمخشري والسهيلي إلى أنه مركب من كلمتين اختصارا ويسمى ذلك نحتا وأصل بعثر بعث وأثير ونظيره بسمل وحمدل وحوقل ودمعز أي قال بسم الله والحمد لله تعالى ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى وأدام لله تعالى عزه إلى غير ذلك من النظائر وهي كثيرة في لغة العرب، وعليه يكون معناه النبش والإخراج معا واعترضه أبو حيان بأن الراء ليست من أحرف الزيادة وهو توهم منه فإنه فرق بين التركيب والنحت من كلمتين والزيادة على بعض الحروف الأصول من كلمة واحدة كما فصل في الزهر نقلا عن أئمة اللغة. نعم الأصل عدم التركيب. عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ جواب إِذَا لكن لا على أنها تعلمه عند البعث بل عند نشر الصحف لما عرفت أن المراد بها زمان واحد مبدؤه قبيل النفخة الأولى أو هي ومنتهاه الفصل بين الخلائق لا أزمنة متعددة بحسب كلمة إذا وإنما كررت لتهويل ما في حيزها من الدواهي والكلام فيه كالذي مر في نظيره. ومعنى «ما قدم وأخر» ما أسلف من عمل خير أو شر وأخّر من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها بعده قاله ابن عباس وابن مسعود. وعن ابن عباس أيضا ما قدم معصية وأخر من طاعة وهو قول قتادة. وقيل: ما عمل ما كلف به وما لم يعمل منه وقيل ما قدم من أمواله لنفسه وما أخر لورثته وقيل: أول عمله وآخره ومعنى علمها بهما علمها التفصيلي حسبما ذكر فيما قدم يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ أي أي شيء خدعك وجرأك على عصيانه تعالى وارتكاب ما لا يليق بشأنه عز شأنه وقد علمت ما بين يديك وما سيظهر من أعمالك عليك والتعرض لعنوان كرمه تعالى دون قهره سبحانه من صفات الجلال المانعة ملاحظتها عن الاغترار للإيذان بأنه ليس مما يصلح أن يكون مدارا لاغتراره حسبما يغويه الشيطان ويقول له افعل ما شئت فإن ربك كريم قد تفضل عليك في الدنيا وسيفعل مثله في الآخرة، أو يقول له نحو ذلك مما مبناه الكرم كقول بعض شياطين الإنس:

تكثّر ما استطعت من الخطايا ... ستلقى في غد ربّا غفورا

تعض ندامة كفيك مما ... تركت مخافة الذنب السرورا

فإنه قياس عقيم وتمنية باطلة بل هو مما يوجب المبالغة في الإقبال على الإيمان والطاعة والاجتناب عن الكفر والعصيان دون العكس، ولذا قال بعض العارفين: لو لم أخف الله تعالى لم أعصه، فكأنه قيل: ما حملك على عصيان ربك الموصوف بما يزجر عنه وتدعو إلى خلافه؟ وقيل إن هذا تلقين للحجة وهو من الكرم أيضا فإنه إذا قيل له ما غرك إلخ. يتفطن للجواب الذي لقنه ويقول كرمه كما قيل يعرف حسن الخلق والإحسان بقلة الآداب في الغلمان ولم يرتض ذلك الزمخشري وكان الاغترار بذلك في النظر الجليل وإلّا فهو في النظر الدقيق كما سمعت. وعن الفضيل أنه قال: غره ستره تعالى المرخي وقال محمد بن السماك:

يا كاتم الذنب أما تستحي ... والله في الخلوة رائيكا

غرك من ربك إمهاله ... وستره طول مساويكا

وقال بعضهم:

يقول مولاي ألا تستحي ... مما أرى من سوء أفعالك

فقلت يا مولاي رفقا فقد ... جرّأني كثرة أفضالك

<<  <  ج: ص:  >  >>