للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تهويلها كأنه قيل: ما حالهم فيها؟ فقيل: يقاسون حرّها. وقرأ ابن مقسم «يصلونها» مشددا مبنيا للمفعول يَوْمَ الدِّينِ يوم الجزاء الذي كانوا يكذبون به استقلالا أو في ضمن تكذيبهم بالإسلام وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ طرفة عين فإن المراد استمرار النفي لا نفي الاستمرار وهو كقوله تعالى وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها [المائدة:

٣٧] في الدلالة على سرمدية العذاب وأنهم لا يزالون محسين بالنار. وقيل معناه وما كانوا غائبين عنها قبل ذلك بالكلية بل كانوا يجدون سمومها في قبورهم حسبما

قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «القبر روضة من رياض الجنة- أو- حفرة من حفر النار»

على أن غائبين من حكاية الحال الماضية والجملة قيل على الوجهين في موضع الحال لكنها على الأول حال مقدرة وعلى الثاني من باب جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ [النساء: ٩٠] وقيل إنها على الأول حالية دون الثاني لانفصال ما بين صلي النار وعذاب القبر بالبعث وما في موقف الحساب بل هي عليه معطوفة على ما قبلها، ويحتمل اسم الفاعل فيها أعني غائبين على الحال أي وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ الآن لتغاير المعطوف عليه الذي أريد به الاستقبال. والكلام على ما عرف في أخباره تعالى من التعبير عن المستقبل بغيره لتحققه فلا يرد أن بعض الفجار في زمرة الأحياء بعد وبعضهم لم يخلق كذلك وعذاب القبر بعد الموت فكيف يحمل غائبين على الحال. وقوله تعالى وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ

تفخيم لشأن يوم الدين الذي يكذبون به إثر تفخيم وتعجيب منه بعد تعجيب والخطاب فيه عام، والمراد أن كنه أمره بحيث يدركه دراية داري وقيل الخطاب لسيد المخاطبين صلّى الله عليه وسلم وقيل للكافر والإظهار في موضع الإضمار تأكيد لهول يوم الدين وفخامته وقد تقدم الكلام في تحقيق كون الاستفهام في مثل ذلك مبتدأ أو خبرا مقدما فلا تغفل. وقوله سبحانه يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ بيان إجمالي لشأن يوم الدين أثر إبهامه وإفادة خروجه عن الدائرة الدراية قيل بطريق إنجاز الوعد فإن نفي الإدراء مشعر بالوعد الكريم بالإدراء على ما روي عن ابن عباس من أنه قال: كل ما في القرآن من قوله تعالى ما أَدْراكَ فقد أدراه وكل ما فيه من قوله عز وجل ما يُدْرِيكَ [الأحزاب: ٦٣، الشورى: ١٧، عبس: ٣] فقد طوى عنه. ويَوْمَ منصوب بإضمار اذكر كأنه قيل بعد تفخيم أمر يوم الدين وتشويقه صلّى الله عليه وسلم إلى معرفته اذكر يوم لا تملك نفس من النفوس لنفس من النفوس مطلقا لا للكفارة فقط كما روي عن مقاتل شيئا من الأشياء إلخ فإنه يدريك ما هو أو مبني، على الفتح محله الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف على رأي من يرى جواز بناء الظرف إذا أضيف إلى غير متمكن وهم الكوفيون أي هو يوم لا تملك إلخ. وقيل هو نصب على الظرفية بإضمار يدانون أو يشتد الهول أو نحوه مما يدل عليه السياق، أو هو مبني على الفتح محله الرفع على أنه بدل من يَوْمُ الدِّينِ وكلاهما ليسا بذاك لخلوهما عن إفادة ما أفاده ما قبل.

وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى وابن جندب وابن كثير وأبو عمرو «يوم» بالرفع بلا تنوين على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو يوم لا بدل لما سمعت آنفا. وقرأ محبوب عن أبي عمرو «يوم» بالرفع والتنوين فجملة لا تَمْلِكُ إلخ في موضع الصفة له والعائد محذوف أي فيه والأمر كما قال في الكشف واحد الأوامر لقوله تعالى لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [غافر: ١٦] فإن الأمر من شأن الملك المطاع واللام للاختصاص أي الأمر له تعالى لا لغيره سبحانه لا شركة ولا استقلالا أي إن التصرف جميعه في قبضة قدرته عز وجل لا غير. وفي تحقيق قوله تعالى لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً لدلالته على أن الكل مسوسون مطيعون مشتغلون بحال أنفسهم مقهورون بعبوديتهم لسطوات الربوبية، وقيل واحد الأمور أعني الشأن وليس بذاك. وقول قتادة فيما أخرجه عند عبد بن

<<  <  ج: ص:  >  >>