الكشاف حكاية ذلك عن المنافقين وأنهم قالوا: ربنا اليوم الأصلع أي سيدنا يعنون عليا كرم الله تعالى وجهه، وإنما قالوه استهزاء ولعل الأول أصح وتقديم الجار والمجرور إما للقصر إشعارا بغاية شناعة ما فعلوا أي كانوا من الذين آمنوا يضحكون مع ظهور عدم استحقاقهم لذلك على منهاج قوله تعالى أَفِي اللَّهِ شَكٌّ [إبراهيم:
١٠] لمراعاة الفواصل وَإِذا مَرُّوا
أي المؤمنون بِهِمْ
أي بالذين أجرموا وهم في أنديتهم يَتَغامَزُونَ
أي يغمز بعضهم بعضا ويشيرون بأعينهم استهزاء بالمؤمنين وإرجاع ضمير مَرُّوا
للمؤمنين وضمير بِهِمْ
للمجرمين هو الأظهر الأوفق بحكاية سبب النزول. واستظهر أبو حيان العكس معللا له بتناسق الضمائر وَإِذَا انْقَلَبُوا أي المجرمون ورجعوا من مجالسهم إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ ملتذين باستخفافهم بالمؤمنين.
وكان المراد بذلك الإشارة إلى أنهم يعدون صنيعهم ذلك من أحسن ما اكتسبوه في غيبتهم عن أهلهم أو إلى أن له وقعا في قلوبهم ولم يفعلوه مراعاة لأحد وإنما فعلوه لحظ أنفسهم. وقيل: فيه إشارة إلى أنهم كانوا لا يفعلون ذلك بما رأى من المارين بهم ويكتفون حينئذ بالتغامز. وقرأ الجمهور «فاكهين» بالألف قيل هما بمعنى، وقيل فكهين أشرين، وقيل فرحين وفاكهين قيل متفكهين وقيل ناعمين وقيل مادحين وَإِذا رَأَوْهُمْ وإذا رأوا المؤمنين أينما كانوا قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ يعنون جنس المؤمنين مطلقا لا خصوص المرئيين منهم والتأكيد لمزيد الاعتناء بسبهم وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ جملة حالية من ضمير قالوا أي قالوا ذلك والحال أنهم ما أرسلوا من جهة الله تعالى على المؤمنين موكلين بهم يحفظون عليهم أحوالهم ويهيمنون على أعمالهم ويشهدون برشدهم وضلالهم وهذا تهكم واستهزاء بهم وإشعار بأن ما جرؤوا عليه من القول من وظائف من أرسل من جهته تعالى، وجوز أن يكون من جملة قول المجرمين والأصل وما أرسلوا علينا حافظين إلّا أنه قيل عليهم نقلا بالمعنى على نحو قال زيد ليفعلن كذا وغرضهم بذلك إنكار صدّ المؤمنين إياهم عن الشرك ودعائهم إلى الإيمان فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا أي المعهودون من الفقراء مِنَ الْكُفَّارِ أي من المعهودين وجوز التعميم من الجانبين يَضْحَكُونَ حين يرونهم أذلاء مغلولين قد غشيتهم فنون الهوان والصغار بعد العز والكبر ورهقهم ألوان العذاب بعد التنعم والترفه. والظرف والجار والمجرور متعلقان ب يَضْحَكُونَ وتقديم الجار والمجرور قيل للقصر تحقيقا للمقابلة أي واليوم هم من الكفار يضحكون لا الكفار منهم كما كانوا يفعلون في الدنيا. وقوله تعالى عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ حال من فاعل يَضْحَكُونَ أي يضحكون منهم ناظرين إليهم وإلى ما هم فيه من سوء الحال. وقيل: يفتح للكفار باب إلى الجنة فيقال لهم: هلم هلم، فإذا وصلوا إليها أغلق دونهم يفعل ذلك مرارا حتى أن أحدهم يقال له: هلم هلم فما يأتي من إياسه ويضحك المؤمنون منهم. وتعقب بأن قوله تعالى هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ يأباه فإنه صريح في أن ضحك المؤمنين منهم جزاء لضحكهم منهم في الدنيا فلا بد من المجانسة والمشاكلة حتما والحق أنه لا إباء كما لا يخفى والتثويب والإثابة المجازاة. ويقال: ثوّبه وأثابه إذا جازاه، ومنه قول الشاعر:
سأجزيك أو يجزيك عني مثوب ... وحسبك أن يثنى عليك وتحمدي
وظاهر كلامهم إطلاق ذلك على المجازاة بالخير والشر، واشتهر بالمجازاة بالخير وجوز حمله عليه هنا على أن المراد التهكم كما قيل به في قوله تعالى فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ [آل عمران: ٢١، التوبة: ٣٤، الانشقاق: ٢٤] وذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان: ٤٩] كأنه تعالى يقول للمؤمنين هل أثبنا هؤلاء على ما كانوا يفعلون كما أثبناكم على ما كنتم تعلمون فيكون هذا القول زائدا في سرورهم لما فيه من