للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه واحد إلّا أن الوجه مختلف كما لا يخفى، ولعل الأول أظهر والحجر العقل لأنه يحجر صاحبه أي يمنعه من التهافت فيما لا ينبغي، كما سمي عقلا ونهية لأنه يعقل وينهى وحصاة من الإحصاء وهو الضبط. وقال الفرّاء: يقال إنه لذو حجر إذا كان قاهرا لنفسه ضابطا لها والمقسم عليه محذوف وهو ليعذبن كما ينبىء عنه قوله تعالى شأنه أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إلخ فإنه استشهاد بعلمه صلّى الله عليه وسلم بما يدل عليه من تعذيب عاد وأضرابهم المشاركين لقومه عليه الصلاة والسلام في الطغيان والفساد على طريقة أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ [البقرة: ٢٥٨] الآية وقوله سبحانه أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ [الشعراء: ٢٢٥] وقال أبو حيان: الذي يظهر أنه محذوف يدل عليه ما قبله من آخر سورة [الغاشية: ٢٥، ٢٦] وهو قوله تعالى إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ وتقديره لإيابهم إلينا وحسابهم علينا. وأخرج ابن المنذر عن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قرأ وَالْفَجْرِ- إلى قوله سبحانه- إِذا يَسْرِ فقال: هذا قسم على أن ربك لبالمرصاد وإلى أنه هو المقسم عليه ذهب ابن الأنباري. وعن مقاتل أنه هل في ذلك إلخ وهل بمعنى أن وهو باطل رواية ودراية إذ يبقى عليه قسم بلا مقسم عليه. والمراد بعاد أولاد عاد بن عاص بن أرم بن سام بن نوح عليه السلام قوم هود عليه السلام سموا باسم أبيهم كما سمّي بنو هاشم هاشما وإطلاق الأب على نسله مجاز شائع حتى ألحق بعضه بالحقيقة وقد قيل لأوائلهم عاد الأولى، ولأواخرهم عاد الآخرة. قال عماد الدين بن كثير: كلما ورد في القرآن خبر عاد فالمراد بعاد فيه عاد الأولى إلّا ما في سورة الأحقاف، ويقال لهم أيضا إرم تسمية لهم باسم جدهم والتسمية بالجد شائعة أيضا وهو اسم خاص بالأولى وعليه قول ابن الرقيات:

مجدا تليدا بناه أوله ... أدرك عادا وقبلها إرما

ونحوه قوله زهير:

وآخرين ترى الماذي عدتهم ... من نسج داود أو ما أورثت إرما

فقوله تعالى إِرَمَ عطف بيان لعاد للإيذان بأنهم عاد الأولى تجوز أن يكون بدلا، ومنع من الصرف للعلمية والتأنيث باعتبار القبيلة، وصرف عاد باعتبار الحي، وقد يمنع من الصرف باعتبار القبيلة أيضا. وقرأ الضحاك بذلك في إحدى الروايتين عنه ورجح اعتبار الصرف فيه بخفته لسكون وسطه، وقدر بعضهم مضافا في الكلام أي سبط إرم وجعل إرم عليه اسم أمهم وهو قول فيه حكاه في القاموس. ووجه منع الصرف فيه ظاهر، وأبى بعضهم إلّا جعله اسم جدهم ومعنى كونهم سبطه أنهم ولد ولده ولا يظهر على هذا علة منع صرفه ولعل ذلك هو الذي دعا إلى جعله اسم أمهم، لكن رأيت في تعليقات بعض الأفاضل على الحواشي العصامية على تفسير البيضاوي أن إرم إنما منع من الصرف سواء كان اسما للقبيلة أم لجدها للعلمية والعجمة، وقال إنهما موجودتان في عاد أيضا إلا أنه لكونه ثلاثيا ساكن الوسط يجوز فيه الأمران الصرف وعدمه، وزعم أن هذا هو الحق وبكونه اسم القبيلة قال مجاهد وقتادة وابن إسحاق ولا حاجة معه إلى تقدير مضاف، فقوله تعالى ذاتِ الْعِمادِ صفة ل إِرَمَ نفسها والمراد ذات القدود الطوال على تشبيه قاماتهم بالأعمدة، ومنه قولهم رجل معمد وعمدان إذا كان طويلا وروي هذا عن ابن عباس ومجاهد واشتهر أنه كان قد أحدهم اثني عشر ذراعا وأكثر. وفي تفسير الكواشي قالوا: كان طول الطويل منهم أربعمائة ذراع، وكان أحدهم يأخذ الصخرة العظيمة فيقلبها على الحي فيهلكهم. عن قتادة وابن عباس في رواية عطاء المراد ذات الخيام والأعمدة وكانوا سيارة في الربيع، فإذا هاج النبت رجعوا إلى منازلهم. وقال غير واحد: كانوا بدويين أهل عمدة وخيام يسكنونها حلا

<<  <  ج: ص:  >  >>