للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عز وجل وسلطانه عز سلطانه مثلت حاله سبحانه في ذلك بحال الملك إذا حضر بنفسه ظهر لمحضوره من آثار الهيبة والسياسة ما لا يظهر بحضور عساكره ووزرائه وخواصه عن بكرة أبيهم، وأنت تعلم ما للسلف في المتشابه من الكلام وَالْمَلَكُ أي جنس الملك فيشتمل جمع ملائكة السماوات عليهم السلام صَفًّا صَفًّا أي مصطفين أو ذوي صفوف فإنه قيل: ينزل يوم القيامة ملائكة كل سماء فيصطفون صفا بعد صف بحسب منازلهم ومراتبهم محدقين بالجن والإنس، وقيل: يصطفون بحسب أمكنة أمور تتعلق بهم وهو قريب مما ذكر. وروي أن ملائكة كل سماء تكون صفا حول الأرض فالصفوف سبعة على ما هو الظاهر. وقال بعض الأفاضل: الظاهر أن الملك أعم من ملائكة السماوات وغيرها وتعريفه للاستغراق وادعى أن اصطفافهم بحسب مراتبهم اصطفاف أهل الدنيا في الصلاة وظاهره أنه اصطفاف من غير تحديق ورأيت غير أثر في أنهم يصطفون محدقين وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ قيل هو كقوله تعالى وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ [الشعراء: ٩١] لمن يرى على أن يكون مجيئها متجوزا به عن إظهارها واختبر أنه على حقيقته

فقد أخرج مسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها» . وفي رواية بزيادة «حتى تنصب عن يسار العرش لها تغيظ وزفير»

وجاء في بعض الآثار أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فناجاه ثم قام رسول الله صلّى الله عليه وسلم الصلاة والسلام منكسر الطرف فسأله عليّ كرم الله وجهه تعالى فقال صلّى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل عليه السلام بهذه الآية كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ الآية. فقال له عليّ كرم الله تعالى وجهه: كيف يجاء بها؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «تقاد بسبعين ألف زمام كل زمام يقوده سبعون ألف ملك، فبينما هم كذلك إذ شردت عليهم شردة انفلتت من أيديهم فلولا أنهم أدركوها فأخذوها لأحرقت من في الجمع»

وفي رواية لولا أن الله تعالى حسبها لأحرقت السماوات والأرض،

وتأويل كل ما ذكر ونحوه مما ورد وحمله على المجاز لا يدعو إليه إلا استحالة الانتقال الذي يقتضيه المجيء الحقيقي على جهنم وهو لعمري غير مستحيل، فيجوز أن تخرج وتنتقل من محلها في المحشر ثم تعود إليه، والحال في ذلك اليوم وراء ما تتخيله الأذهان.

يَوْمَئِذٍ بدل من إِذا دُكَّتِ وظاهر كلام الزمخشري أن العامل فيه هو العامل نفسه في المبدل منه أعني قوله تعالى يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وهو قول قد نسب إلى سيبويه. وفي البحر المشهور خلافه وهو أن البدل على نية تكرار العامل والظاهر عندي الأول ويتذكر من الذكر ضد النسيان أي يتذكر الإنسان ما فرط فيه بتفاصيله بمشاهدة آثاره وأحكامه، أو بإحضار الله تعالى إياه في ذهنه وإخطاره له وإن لم يشاهد بعد أثرا أو بمعاينة عينه بناء على أن الأعمال تتجسم في النشأة الآخرة فتبرز بما يناسبها من الصور حسنا وقبحا أو من التذكر بمعنى الاتعاظ، أي يتعظ بما يرى من آثار قدرة الله عز وجل وعظيم عظمته تعالى وشأنه. وقوله تعالى وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى اعتراض جيء به لتحقيق أنه ليس بتذكر حقيقة لعرائه عن الجدوى لعدم وقوعه في أوانه وأَنَّى خبر مقدم والذِّكْرى مبتدأ ولَهُ متعلق بما تعلق به الخبر، أي ومن أين تكون له الذكرى وقد فات أوانها، وقيل: هناك مضاف محذوف أي وأنى له منفعة الذكرى ولا بد من تقديره لئلا يكون تناقض وقد علمت أن هذا يتحقق بما قرر أولا على أنه إذا جعل اختصاص اللام مقتصرا على النافع استقام من غير تقدير، ويكون إنكار أن تكون الذكرى له لا عليه. وأما كونه حكاية لما كان عليه في الدنيا من عدم الاعتبار والاتعاظ فليس بشيء. واستدل بالآية على أن التوبة من حيث هي توبة غير واجبة القبول عقلا كما زعم

<<  <  ج: ص:  >  >>