للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قسمية لزم اجتماع المقسمات المتعددة على جواب واحد وقد استكرهه الخليل وسيبويه وأجاب باختيار الشق الأول ونفي ما لزمه، فقال: إن واو القسم مطرح معها إبراز الفعل اطراحا كليا فكان لها شأن خلاف شأن الباء حيث أبرز معها الفعل تارة وأضمر أخرى، فكانت الواو قائمة مقام فعل القسم وباؤه سادة مسدهما معا والواوات العواطف نوائب عن هذه الواو فهي عاملة الجر وعاملة النصب، فالعطف من قبيل العطف على معمولي عامل واحد وهذا كما تقول: ضرب زيد عمرا وبكر خالدا فترفع بالواو وتنصب لقيامها مقام ضرب الذي هو عاملها انتهى. وأنت تعلم أن أول الواوات العواطف هاهنا ليس معها ما تعمل فيه النصب فلعله أراد أنها تعمل ذلك إن كان هناك منصوب أو هي عاملة باعتبار أن معنى وَالشَّمْسِ وَضُحاها والشمس وضوءها إذا أشرقت وفيه أيضا أنه لم يقل أحد بأن الحروف العواطف عوامل. وأيضا الإشكال مبني على امتناع العطف على معمولي عاملين مطلقا حتى لو جوّز مطلقا أو بشرط كون المعطوف مجرورا على ما ذهب إليه جمع كما في قولك:

في الدار زيد والحجرة عمرو لم يكن إشكال، وأيضا هو مبني على قبول هذا الاستكراه وعدم إمكان التخلص من الاجتماع بتقدير جواب لكل من المقسمات حتى إذا لم يقبل أو قبل وقدر لكل جواب لم يبق إشكال.

وأيضا هو مبني على أن إذا ظرفية وهو ممنوع لجواز أن تكون قد تجردت عن الظرفية وحينئذ تكون بدلا مما بعد الواو كما قيل في قوله:

وبعد غد يا لهف نفسي من غد ... إذا راح أصحابي ولست برائح

أن إذا بدل من غد وعلى تسليم أنها ظرفية يجوز أن يقدر مع كل مضاف تتعلق به، كأن يقدر وتلو القمر إذا تلاها، وتجلية النهار إذا جلاها، وغشيان الليل إذا يغشاها أو تجعل متعلقة بمحذوف وقع حالا مقدرة مما تليه أي أقسم بالقمر كائنا إذا تلاها، وبالليل كائنا إذا جلاها كما زعمه بعضهم وفيه بحث وأيضا يردّ على الزمخشري مثل قوله تعالى وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ [التكوير: ١٧، ١٨] لأن الواو هنالك عاطفة وقد تقدم صريح فعل القسم كما ذكره الشيخ ابن الحاجب على أن التحقيق كما قال بعض المحققين أن الظرف ليس معمولا لفعل القسم لفساد المعنى إذ التقييد بالزمان غير مراد حالا كان أو استقبالا وإنما هو معمول مضاف مقدر من نحو العظمة لأن الإقسام بالشيء إعظام له فكأنه أقسم بعظمة زمان كذا، وما قيل عليه من أن إقسامه تعالى بشيء مستعار لإظهار عظمته وإبانة شرفه فيجوز تقييده باعتبار جزء المعنى المراد يعني الإظهار، وأيضا إذا كان الإقسام إعظاما لغا تقديره فلو سلم فالاستعارة إما تبعية أو تمثيلية، وعلى كل حال فليس ثمت ما يكون متعلقا بحسب الصناعة والتقدير ليتعلق به وليظهر ما أريد منه مؤكدا فلا لغوية وَالسَّماءِ وَما بَناها أي ومن بناها وإيثار ما على من لإرادة الوصفية تفخيما على ما تقدم في وَما وَلَدَ [البلد: ٣] كأنه قيل والقادر العظيم الشأن الذي بناها ودل على وجوده وكمال قدرته بناؤهما والمراد به إيجادها بحيث تدل على ذلك ويستدل بها عليه وهو أولى من تفسيره ببانيها لإشعاره بالمراد من البناء. وكذا الكلام في قوله تعالى وَالْأَرْضِ وَما طَحاها أي بسطها من كل جانب ووطأها كدحاها، ويكون طحا بمعنى ذهب كقول علقمة:

طحا بك قلب في الحسان طروب ... بعيد الشباب عصر حان مشيب

وبمعنى أشرف وارتفع ومن أيمانهم لا والقمر الطاحي. ويقال: طحا يطحو طحوا وطحى يطحي طحيا.

وقوله سبحانه وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها أي أنشأها وأبدعها مستعدة لكمالها وذلك بتعديل أعضائها وقواها الظاهرة

<<  <  ج: ص:  >  >>