يقول في قوله تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها الآية:«أفلحت نفس زكاها الله تعالى وخابت نفس خيبها الله من كل خير»
.
وأخرج الإمام أحمد وابن أبي شيبة ومسلم والنسائي عن زيد بن أرقم قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها» .
وفي رواية الطبراني وغيره عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام إذا تلا هذه الآية وقف وقال ذلك
. ولهذه الأخبار ونحوها قال بعضهم: إن ذلك هو المرجح، ورجحه صاحب الانتصاف بأن الضمائر في وَالسَّماءِ وَما بَناها إلخ تكون عليه متسقة عائدة كلها إلى الله تعالى وبأن قوله تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى: ١٤] أوفق به لأن تزكى مطاوع زكى فيكون المعنى قد أفلح من زكاه الله تعالى فتزكى، ومع هذا كله لا ينبغي أن ينكر أن المعنى السابق هو السابق إلى الذهن وما ذكر من الأخبار ليس نصا في تعيين المعنى الآخر، نعم هو نص في تكذيب الزمخشري في زعمه أنه من تعكيس القدرية يعني بهم أهل السنة والجماعة فتأمل. والطغوى مصدر من الطغيان بمعنى تجاوز الحد في العصيان فصلوا بين الاسم والصفة في فعلي من بنات الياء بأن قلبوا الياء واوا في الاسم وتركوا القلب في الصفة فقالوا في الصفة امرأة صديا وخزيا وفي الاسم تقوى وطغوى كذا في الكشاف وغيره وكلام الراغب يدل على أن طغى وأوى ويأتي حيث قال: يقال طغوت وطغيت طغوانا وطغيانا فلا تغفل. والباء عند الجمهور للسببية أي فعلت التكذيب بسبب طغيانها كما تقول: ظلمني الخبيث بجراءته على الله تعالى.
وجعلها الزمخشري للاستعانة والأمر سهل، وجوز أن تكون صلة للتكذيب على معنى كذبت بما أوعدت به في لسان نبيها من العذاب ذي الطغوى أي التجاوز عن الحد والزيادة، ويوصف العذاب بالطغيان بهذا المعنى كما في قوله تعالى فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ [الحاقة: ٥] وقد يوصف بالطغوى مبالغة كما يوصف بسائر المصادر لذلك فلا يكون هناك مضاف محذوف. وقرأ الحسن ومحمد بن كعب وحماد بن سلمة «طغواها» بضم الطاء وهو مصدر أيضا كالرجعى والحسنى في المصادر إلا أنه قيل كان القياس الطغيا كالسقيا لأن فعلى بالضم لا يفرق فيه بين الاسم والصفة كأنهم شذوا فيه فقلبوا الياء واوا، وأنت تعلم أن الواو عند من يقول طغوت أصلية.
إِذِ انْبَعَثَ متعلق بكذبت أو بطغوى وانْبَعَثَ مطاوع بعثه بمعنى أرسله والمراد إذ ذهب لعقر الناقة أَشْقاها أي أشقى تمود وهو قدار بن سالف أو هو ومن تصدى معه لعقرها من الأشقياء اثنان على ما قال الفراء أو أكثر، فإن أفعل التفضيل إذا أضيف إلى معرفة يصلح للواحد والمتعدد والمذكر والمؤنث وفضل شقاوتهم على من عداهم لمباشرتهم العقر مع اشتراك الكل في الرضا به ولخبائث غير ذلك يعلمها الله تعالى فيهم هي فوق خبائث من عداهم فَقالَ لَهُمْ أي لثمود أو لأشقاها على ما قيل بناء أن المراد به جمع ولا يأباه وَسُقْياها كما لا يخفى رَسُولُ اللَّهِ هو صالح عليه السلام وعبر عنه بعنوان الرسالة إيذانا بوجوب طاعته وبيانا لغاية عتوهم وتماديهم في الطغيان وهو السر في إضافة الناقة إليه تعالى في قوله سبحانه ناقَةَ اللَّهِ وهو نصب على التحذير وشرطه ليس تكرير المحذر منه أو كونه محذرا بما بعده فقط ليقال هو منصوب بتقدير ذروا أو احذروا لا على التحذير، بلى شرطه ذاك أو العطف عليه كما هنا على ما نص عليه مكي والكلام على حذف مضاف أي احذروا عقر ناقة الله أو المعنى على ذلك وإن لم يقدر في نظم الكلام وجوز أن يكون التقدير عظموا أو الزموا ناقة الله وليس بشيء وَسُقْياها أي واحذروا سقياها فلا تتعرضوا بمنعها عنها في نوبتها ولا تستأثروا بها عليها وقيل الواو للمعية والمراد ذروا ناقة الله مع سقياها ولا تحولوا بينهما وهو كما ترى وقرأ زيد بن علي ناقة الله بالرفع فقيل أي همكم ناقة الله وسقياها فلا تعقروها ولا تستأثروا بالسقيا عليها