للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كنت أفقده من فراشي فإذا قمت لأطلبه ناداني ها أنا يا عم فارجع، وكنت كثيرا ما أسمع منه كلاما يعجبني وذلك عند ما مضى بعض الليل وكنا لا نسمي على الطعام والشراب ولا نحمد وكان يقول في أول الطعام:

بسم الله الأحد، فإذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله، فكنت أعجب منه ولم أر منه كذبة ولا ضحكا ولا جاهلية ولا وقف مع الصبيان وهم يلعبون وهذا لعمري غيض من فيض:

في المهد يعرب عن سعادة جده أثر النجابة ساطع البرهان

وقيل: المعنى ألم يجدك يتيما أبتك المراضع فآواك من مرضعة تحنو عليك بأن رزقها بصحبتك الخير والبركة حتى أحبتك وتكفلتك، والأول هو الظاهر، وقيل غير ذلك مما ستعلمه بعد إن شاء الله تعالى. ومن بدع التفاسير على ما قال الزمخشري أن يتيما من قولهم درة يتيمة والمعنى ألم يجدك واحدا في قريش عديم النظير فآواك والأولى عليه أن يقال ألم يجدك واحدا عديم النظير في الخليقة لم يحو مثلك صدف الإمكان فآواك إليه وجعلك في حق اصطفائه. وقرأ أبو الأشعث «فأوى» ثلاثيا فجوز أن يكون من أواه بمعنى آواه وأن يكون من أوى له أي رحمه ومصدره أياواية وماويّة وماوية وتحقيقه على ما قال الراغب أي رجع إليه بقلبه ومنه قوله:

أو أني ولا كفران لله أية وقوله تعالى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى عطف على ما يقتضيه الإنكار السابق كما أشير إليه أو على المضارع المنفي بلم داخل في حكمه كأنه قيل: أما وجدك يتيما فآوى ووجدك غافلا عن الشرائع التي لا تهتدي إليها العقول كما في قوله تعالى ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ [الشورى: ٥٢] وقوله سبحانه وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ

[يوسف: ٣] فهداك إلى مناهجها في تضاعيف ما أوحي إليك من الكتاب المبين وعلمك ما لم تكن تعلم، وعلى هذا كما قال الواحدي أكثر المفسرين وهو اختيار الزجاج. وروى سعيد بن المسيب أنه صلّى الله عليه وسلم سافر مع عمه أبي طالب إلى الشام فبينما هو راكب ناقة ذات ليلة ظلماء وهو نائم جاءه إبليس فأخذ بزمام الناقة فعدل به عن الطريق فجاءه جبريل عليه الصلاة والسلام فنفخ إبليس نفخة وقع منها بالحبشة ورده إلى القافلة، فما في الآية إشارة إلى ذلك على ما قيل. وقيل إشارة إلى ما روي عن ابن عباس من أنه صلّى الله عليه وسلم ضل وهو صغير عن جده في شعاب مكة فرآه أبو جهل منصرفا من أغنامه فردّه لجده وهو متعلق بأستار الكعبة يتضرع إلى الله تعالى في أن يرد إليه محمدا، وذكر له أنه لما رآه أناخ الناقة وأركبه من خلفه فأبت أن تقوم فأركبه أمامه فقامت فكانت الناقة تقول: يا أحمق هو الإمام فكيف يقوم خلف المقتدي. وفي إرجاعه عليه الصلاة والسلام إلى أهله على يد أبي جهل وقد علم سبحانه منه أنه فرعونه يشبه إرجاع موسى عليه السلام إلى أمه على يد فرعون. وقيل: ضل عليه الصلاة والسلام مرة أخرى وطلبوه فلم يجدوه فطاف عبد المطلب بالكعبة سبعا وتضرع إلى الله تعالى فسمعوا مناديا ينادي من السماء: يا معشر الناس لا تضجوا فإن لمحمد ربا لا يخذله ولا يضيعه وإن محمدا بوادي تهامة عند شجرة السمر، فسار عبد المطلب وورقة بن نوفل فإذا النبي صلّى الله عليه وسلم قائم تحت شجرة يلعب بالأغصان والأوراق. وقيل: أضلته مرضعته حليمة عند باب مكة حين فطمته وجاءت به لترده على عبد المطلب فضالا على هذه الروايات من ضل في طريقه إذا سلك طريقا غير موصولة لمقصده وضعف حمل الآية على ذلك بأن مثله بالنسبة إلى ما تقدم لا يعد من نعم الله تعالى على مثل نبيه صلّى الله عليه وسلم التي يمتن سبحانه بها عليه. وقيل: الضال الشجرة المنفردة في البيداء ليس حولها شجر والمراد

<<  <  ج: ص:  >  >>