للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنفية خبر لأن، وتكرير الإسناد لتقوية الحكم وكلمة- في- متعلقة بمحذوف وقع صفة لشيء مؤكدة لعمومه المستفاد من وقوعه في سياق النفي أي لا يخفى عليه شيء ما كائن في العالم بأسره كيفما كانت الظرفية، والتعبير بعدم الخفاء أبلغ من التعبير بالعلم، وجوز أبو البقاء تعلق الظرف- بيخفى..

وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ جملة مستأنفة على الصحيح ناطقة ببعض أحكام قيوميته تعالى مشيرة إلى تقرير علمه مع زيادة بيان لتعلقه بالأشياء قبل وجودها، والتصوير- جعل الشيء على صورة لم يكن عليها، والصورة هيئة يكون عليها الشيء بالتأليف، والْأَرْحامِ جمع رحم وهي معلومة وكأنها أخذت من الرحمة لأنها مما يتراحم بها ويتعاطف، وكلمة فِي متعلقة- بيصور- وجوز أن يكون حالا من المفعول أي يصوركم وأنتم في الأرحام مضغ، وكَيْفَ في موضع نصب- بيشاء- وهو حال، والمفعول محذوف تقديره يشاء تصويركم، وقيل: كَيْفَ ظرف- ليشاء- والجملة في موضع الحال أي يُصَوِّرُكُمْ على مشيئته أي مريدا إن كان الحال من الفاعل أو يصوركم متقلبين على مشيئته تابعين لها في قبول الأحوال المتغايرة من كونكم نطفا ثم علقا ثم مضغا- ثم، وثم- وفي الاتصاف بالصفات المختلفة من الذكورة والأنوثة والحسن والقبح وغير ذلك، وفيه من الدلالة على بطلان زعم من زعم ربوبية عيسى عليه السلام مع تقلبه في الأطوار ودوره في فلك هذه الأدوار حسبما شاءه الملك القهار وركاكة عقولهم ما لا يخفى، وقرأ طاوس- تصوركم- على صيغة الماضي من التفعل أي اتخذ صوركم لنفسه وعبادته فهو من باب توسد التراب أي اتخذه وسادة فما قيل: كانه من تصورت الشيء بمعنى توهمت صورته فالتصديق أنه توهم محض لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ كرر الجملة الدالة على نفي الإلهية عن غيره تعالى وانحصارها فيه توكيدا لما قبلها ومبالغة في الرد على من ادعى إلهية عيسى عليه السلام وناسب مجيئها بعد الوصفين السابقين من العلم والقدرة إذ من هذان الوصفان له هو المتصف بالألوهية لا غيره ثم أتى بوصف العزة الدالة على عدم النظير أو التناهي في القدرة والحكمة لأن خلقهم على ما ذكر من النمط البديع أثر من آثار ذلك هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ استئناف لإبطال شبه الوفد وإخوانهم الناشئة عما نطق به القرآن في نعت المسيح عليه السلام إثر بيان اختصاص الربوبية ومناطها به سبحانه.

قيل: إن الوفد قالوا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ألست تزعم أن عيسى كلمة الله تعالى وروح منه؟

قال: بلى قالوا: فحسبنا ذلك

فنفى سبحانه عليهم زيفهم وفتنتهم وبين أن الكتاب مؤسس على أصول رصينة وفروع مبنية عليها ناطقة بالحق قاضية ببطلان ما هم عليه- كذا قيل- ومنه يعلم وجه مناسبة الآية لما قبلها، واعترض بأن هذا الأثر لم يوجد له أثر في الصحاح ولا سند يعول عليه في غيرها، وقصارى ما وجد عن الربيع أن المراد بالموصول الآتي الوفد، وفيه أن الأثر بعينه

أخرجه في الدر المنثور عن أبي حاتم، وابن جرير عن الربيع، وعن بعضهم أن الآية نزلت في اليهود، وذلك حين «مر أبو ياسر بن أخطب في رجال من يهود برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يتلو فاتحة سورة البقرة الم ذلِكَ الْكِتابُ [البقرة: ١، ٢] فأتى أخاه حي بن أخطب في رجال من يهود فقال: أتعلمون والله لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل عليه الم ذلِكَ الْكِتابُ فقال: أنت سمعته؟ قال: نعم فمشى حي في أولئك النفر إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: ألم يذكر أنك تتلو فيما أنزل عليك الم ذلِكَ الْكِتابُ؟ فقال:

بلى فقال: لقد بعث الله تعالى قبلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك: الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة هل مع هذا غيره؟ قال: نعم المص [الأعراف: ١] قال:

هذه أثقل وأطول: الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون والصاد تسعون فهذه مائة وإحدى وستون سنة هل مع

<<  <  ج: ص:  >  >>