البسملة معها فهي أول آية نزلت على الإطلاق وفيه منع ظاهر كما لا يخفى. وجوز كون الباء للاستعانة متعلقة بما عندها أو بمحذوف وقع حالا ورجحت الملابسة بسلامتها عن إيهام كون اسمه تعالى آلة لغيره وقد تقدم ما يتعلق بذلك أول الكتاب. ثم إنه ليس في الأمر المذكور تكليف بما لا يطاق سواء دل الأمر على الفور أم لا لأنه صلّى الله عليه وسلم علم أن ما أوحى قرآن فهو المكلف بقراءته عليه الصلاة والسلام ولا محذور في كون اقرأ إلخ مأمورا بقراءته لصدق المأمور بقراءته عليه، وهذا كما تقول لشخص: اسمع ما أقول لك، فإنه مأمور بسماع هذا اللفظ أيضا. وقد ذكر جمع من الأصوليين أن هذا بيان للمأمور به في قول جبريل عليه السلام اقْرَأْ المذكور في حديث بدء الوحي المتفق عليه. قال الآمدي عند ذكر أدلة جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب الذي ذهب إليه جماعة من الحنفية وغيرهم: ومن الأدلة ما
روي أن جبريل عليه السلام قال للنبيّ صلّى الله عليه وسلم اقْرَأْ قال:«وما اقرأ» ؟ كرر عليه ثلاث مرات ثم قال له اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
فأخر بيان ما أمره به أولا مع إجماله إلى ما بعد ثلاث مرات من أمر جبريل عليه السلام وسؤال النبي صلّى الله عليه وسلم مع إمكان بيانه أولا وذلك دليل جواز التأخير إلى آخر ما قال سؤالا وجوابا لا يتعلق بهما غرضنا، ولا يخفى أن يكون هذا بيانا للمراد على الوجه الذي ذكرناه ظاهر وكونه كذلك بجعل اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ إلى آخر ما نزل أو بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ إلخ ما ادعاه الجلال معمولا لاقرأ المكرر في كلام جبريل عليه السلام مما لا أظن أن أصوليا يقول به، ومثله كونه كذلك بحمل الآية على ما سمعت عن أبي عبيدة. وأما بناء الاستدلال على ما
في بعض الآثار من أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلم وهو بحراء بنمط من ديباج مكتوب فيه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ- إلى- ما لَمْ يَعْلَمْ فقال له: اقرأ فقال عليه الصلاة السلام «ما أنا بقارئ» قال: اقرأ باسم ربك
بأن يكون اقرأ إلخ بيانا وتلاوة من جبريل عليه السلام لما في النمط المنزل لعدم العلم بما فيه وإن كان مشاهدا منزلة المجمل الغير المعلوم فلا يخفى حاله فتأمل. ثم إن في كلام الآمدي من حيث رواية الخبر ما فيه فلا تغفل. والتعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن التربية والتبليغ إلى الكمال اللائق شيئا فشيئا مع الإضافة إلى ضميره صلّى الله عليه وسلم للإشعار بتبليغه عليه الصلاة والسلام إلى الغاية القاصية من الكمالات البشرية بإنزال الوحي المتواتر.
ووصف الرب بقوله تعالى الَّذِي خَلَقَ لتذكيره عليه الصلاة والسلام أول النعماء الفائضة عليه صلّى الله عليه وسلم منه سبحانه مع ما في ذلك من التنبيه على قدرته تعالى على تعليم القراءة بألطف وجه، وقيل: لتأكيد عدم إرادة غيره تعالى من الرب فإن العرب كانت تسمي الأصنام أربابا لكنهم لا ينسبون الخلق إليها والفعل إما منزل اللازم أي الذي له الخلق، أو مقدر مفعوله عاما أي الذي خلق كل شيء. والأول يفيد العموم أيضا فعلى الوجهين يكون وجه تخصيص الإنسان بالذكر في قوله تعالى خَلَقَ الْإِنْسانَ أنه أشرف المخلوقات وفيه من بدائع الصنع والتدبير ما فيه فهو أدل على وجوب العبادة المقصودة من القراءة مع أن التنزيل إليه، ويجوز أن يراد خلق الإنسان إلّا أنه لم يذكر أولا وذكر ثانيا قصدا لتفخيمه بالإبهام ثم التفسير. وعن الزمخشري أن المناسب أن يراد خلق الإنسان بعد الأمر بقراءة القرآن تنبيها على أنه تعالى خلقه للقراءة والدراية كما أن ذكر خلق الإنسان عقيب تعليم القرآن أول سورة الرحمن لنحو ذلك. وقوله تعالى مِنْ عَلَقٍ أي دم جامد لبيان كمال قدرته تعالى بإظهار ما بين حالتيه الأولى والآخرة من التباين البين، وأتى به دالا على الجمع لأن الإنسان مراد به الجنس فهو في معنى الجمع فأتى بما خلق منه كذلك ليطابقه مع ما في ذلك من رعاية الفواصل، ولعله على ما قيل السر في تخصيص هذا الطور من بين سائر أطوار الفطرة الإنسانية من كون النطفة والتراب