للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله تعالى لا باسم الأصنام ولا تكون القراءة في نفسها مطلوبة لما علم أن مقتضى التقديم أن يكون أصل الفعل مسلما على ما هو عليه من زمان طلبا كان أو خبرا. وأجاب من علق الجار بالثاني بأن مطلوبية القراءة في نفسها استفيدت من اقرأ الأول فلا تغفل. والظاهر أن المعلم بالقلم غير معين وقيل هو كل نبي كتب. وقال الضحاك هو إدريس عليه السلام وهو أول من خط. وقال كعب: هو آدم عليه السلام وهو أول من كتب. وقد نسبوا لآدم وإدريس عليهما السلام نقوشا مخصوصة في كتابة حروف الهجاء الذي يغلب على الظن عدم صحة ذلك، وقد أدمج سبحانه وتعالى التنبيه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة ونيل الرتب الفخيمة ولولاه لم يقم دين ولم يصلح عيش ولو لم يكن على دقيق حكمة الله تعالى ولطيف تدبيره سبحانه دليل إلّا أمر القلم والخط لكفى به وقد قيل فيه:

لعاب الأفاعي القاتلات لعابه ... وأري الجنى اشتارته أيد عواسل

ومما نسبه الزمخشري في ذلك لبعضهم وعنى على ما قيل نفسه:

ورواقم رقش كمثل أراقم ... قطف الخطى نيالة أقصى المدى

سود القوائم ما يجد مسيرها ... إلّا إذا لعبت بها بيض المدى

ولهم في هذا الباب كلام فصل يضيق عنه الكتاب، وظاهر الآثار أن الكتابة في الأمم غير العرب قديمة وفيهم حادثة لا سيما في أهل الحجاز، وذكر غير واحد أن الكتابة نقلت إليهم من أهل الحيرة وأنهم أخذوها من أهل الأنبار، وذكر الكلبي والهيثم بن عدي أن الناقل للخط العربي من العراق إلى الحجاز حرب بن أمية وكان قد قدم الحيرة فعاد إلى مكة به، وأنه قيل لابنه أبي سفيان ممن أخذ أبوك هذا الخط؟ فقال: من أسلم بن أسدرة. وقال: سألت أسلم ممن أخذت هذا الخط؟ فقال: من واضعه مرامر بن مرة. وقيل: كان لحمير كتابة يسمونها المسند منفصلة غير متصلة وكان لها شأن عندهم فلا يتعاطاها إلّا من أذن له في تعلمها، وأصناف الكتابة كثيرة. وزعم بعضهم أن جل كتابات الأمم اثنا عشر صنفا العربية والحميرية والفارسية والعبرانية واليونانية والرومية والقبطية والبربرية والأندلسية والهندية والصينية والسريانية ولعل هذا إن صح باعتبار الأصول وإلّا فالفروع توشك أن لا يحصيها قلم كما لا يخفى والله تعالى أعلم ولم ير بعض العلماء من الأدب وصف غيره تعالى بالأكرم كما يفعله كثير من الناس في رسائلهم فيكتبون إلى فلان الأكرم ومع هذا يعدونه وصفا نازلا ويستهجنونه بالنسبة للملوك ونحوهم من الأكابر وقد يصفون به اليهودي والنصراني ونحوهما مع أنه تعالى يقول وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ فعلى العبد أن يراعي الأدب مع مولاه شاكرا كرمه الذي أولاه.

كَلَّا ردع لمن كفر من جنس الإنسان بنعمة الله تعالى عليه بطغيانه وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه وذلك لأن مفتتح السورة إلى هذا المقطع يدل على عظيم منته تعالى على الإنسان فإذا قيل كَلَّا كان ردعا للإنسان الذي قابل تلك النعم الحلائل بالكفران وبالطغيان، وكذلك التعليل بقوله تعالى إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أي ليتجاوز الحد في المعصية واتباع هوى النفس ويستكبر على ربه عز وجل. وقال الكلبي: أي ليرتفع عن منزلة إلى منزلة في اللباس والطعام وغيرهما وليس بذاك، وقدر بعضهم بعد قوله تعالى ما لَمْ يَعْلَمْ ليشكر تلك النعم الجليلة فطغى وكفر كَلَّا وقيل كلا بمعنى حقا لعدم ما يتوجه إليه الردع والزجر ظاهرا فقوله سبحانه إِنَّ الْإِنْسانَ إلخ بيان لما أريد إحقاقه وهذا إلى آخر السورة قيل نزل في أبي جهل بعد زمان من نزول الآيات السابقة وهو الظاهر، ومع نزوله في ذلك اللعين المراد بالإنسان الجنس. وقوله سبحانه أَنْ رَآهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>