وقيل: هو عيسى عليه السلام ينزل لمطالعة هذه الأمة وليزور النبي صلّى الله عليه وسلم وقيل: أرواح المؤمنين ينزلون لزيارة أهليهم. وقيل: الرحمة كما قرىء لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ [يوسف: ٨٧] بالضم وعلى الأول المعول والظاهر الذي تشهد له الأخبار أن التنزل إلى الأرض، فقيل: إن ذلك لما ذكر الله تعالى بعد وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام فيه وقيل ينزلون إليها للتسليم على المؤمنين. وقيل: لأن الله تعالى جعل فضيلة هذه الليلة في الاشتغال بطاعته في الأرض فهم ينزلون إليها لتصير طاعاتهم أكثر ثوابا كما أن الرجل منا يذهب إلى مكة لتصير طاعته كذلك فيكون المقصود من الإخبار بذلك ترغيب الإنسان في الطاعة. وقال عصام الدين: يحتمل أن يكون تنزلهم لإدراكها إذ ليس في السماء ليل، والجملة حينئذ مقررة لما سبق لا مبينة لمناط الفضل وفيه نظر لا يخفى. وقيل غير ذلك مما سنشير إليه إن شاء الله تعالى. وقيل: المراد تنزلهم إلى السماء الدنيا وهو خلاف المتبادر وأنزل منه بكثير كون المراد بتنزلهم تنزلهم عن مراتبهم العلية من الاشتغال بالله تعالى والاستغراق بمطالعة جلاله عز وجل ليسلموا على المؤمنين. واستظهر أن المراد بالملائكة عليهم السلام جميعهم واستشكل بأن لهم كثرة عظيمة لا تتحملها الأرض وكذا السماء الدنيا لأنها قبل نزولهم مملوءة «أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلّا وفيه ملك ساجد أو راكع أو قائم» . وأجيب بأنهم ينزلون فوجا فوجا فمن نازل وصاعد كالحجاج فإنهم على كثرتهم يدخلون الكعبة مثلا بأسرهم لكن لا على وجه الاجتماع بل هم بين داخل وخارج. وفي التعبير بتنزل المفيد للتدريج دون نزل رمز إليه وقيل إنهم لكونهم أنوارا لا تزاحم بينهم فالنور إذا ملأ حجرة مثلا لا يمنع من إدخال ألف نور عليه وهو كما ترى. ومن الناس من خصّ الملائكة ببعض فرقهم وهم سكان سدرة المنتهى أو بعض منهم.
وفي الغنية للقطب الرباني الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس سره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: إذا كان ليلة القدر يأمر الله تعالى جبريل عليه السلام أن ينزل إلى الأرض ومعه سكان سدرة المنتهى سبعون ألف ملك، ومعهم ألوية من نور فإذا هبطوا إلى الأرض ركّز جبريل عليه السلام لواءه والملائكة عليهم السلام ألويتهم في أربعة مواطن عند الكعبة وقبر النبي صلّى الله عليه وسلم ومسجد بيت المقدس ومسجد طور سيناء، ثم يقول جبريل عليه السلام: تفرقوا فيتفرقون ولا يبقى دار ولا حجر ولا بيت ولا سفينة فيها مؤمن أو مؤمنة إلّا دخلته الملائكة عليهم السلام إلّا بيتا فيه كلب أو خنزير أو خمر أو جنب من حرام أو صورة تماثيل فيسبحون ويقدسون ويهللون ويستغفرون لأمة محمد صلّى الله عليه وسلم حتى إذا كان وقت الفجر ثم يصعدون إلى السماء فيستقبلهم سكان سماء الدنيا فيقولون لهم: من أين أقبلتم؟ فيقولون: كنا في الدنيا لأن الليلة ليلة القدر لأمة محمد صلّى الله عليه وسلم، فيقول سكان السماء الدنيا: ما فعل الله تعالى بحوائج أمة محمد صلّى الله عليه وسلم؟ فيقول جبريل عليه السلام: إن الله تعالى غفر لصالحهم وشفعهم في طالحهم. فترفع ملائكة سماء الدنيا أصواتهم بالتسبيح والتقديس والثناء على رب العالمين شكرا لما أعطى الله تعالى هذه الأمة من المغفرة والرضوان، ثم تشيعهم ملائكة السماء الدنيا إلى الثانية كذلك وهكذا إلى السابعة، ثم يقول جبريل عليه السلام: يا سكان السماوات ارجعوا. فيرجع ملائكة كل سماء إلى مواضعهم فإذا وصلوا إلى سدرة المنتهى يقول لهم سكانها: أين كنتم؟ فيجيبونهم مثل ما أجابوا أهل السماوات، فيرفع سكان سدرة المنتهى أصواتهم بالتسبيح والتهليل والثناء فتسمع جنة المأوى ثم جنة النعيم وجنة عدن والفردوس، ويسمع عرش الرحمن فيرفع العرش صوته بالتسبيح والتهليل والثناء على رب العالمين شكرا لما أعطى هذه الأمة. ويقول: إلهي بلغني عنك أنك غفرت البارحة لصالحي أمة محمد صلّى الله عليه وسلم وشفعت