وذكر بعضهم أن أصله للثعلب فاستعير للخيل كما في قول عنترة:
والخيل تكدح حين تض ... بح في حياض الموت ضبحا
وإنه من ضبحته النار غيّرت لونه ولم تبالغ فيه. ويقال انضبح لونه تغير إلى السواد قليلا. وقال أبو عبيدة:
الضبح وكذا الضبع بمعنى العدو الشديد وعليه قيل إنه مفعول مطلق للعاديات وليس هناك فعل مقدر. وجوز على تفسيره بما تقدم أن يكون نصبا على المصدرية به أيضا لكن باعتبار أن العدو مستلزم للضبح فهو في قوة فعل الضبح. ويجوز أن يكون نصبا على الحال مؤولا باسم الفاعل بناء على أن الأصل فيها أن تكون غير جامدة أي والعاديات ضابحات فَالْمُورِياتِ قَدْحاً الإيراء إخراج النار والقدح هو الضرب والصك المعروف يقال: قدح فأورى إذا أخرج النار، وقدح فأصلد إذا قدح ولم يخرجها والمراد بها الخيل أيضا أي فالتي توري النار من صدم حوافرها للحجارة وتسمى تلك النار نار الحباحب وهو اسم رجل بخيل كان لا يوقد إلّا نارا ضعيفة مخافة الضيفان، فضربوا بها المثل حتى قالوا ذلك لما تقدحه الخيل بحوافرها والإبل بأخفافها.
وانتصاب قَدْحاً كانتصاب ضَبْحاً على ما تقدم. وجوز كونه على التمييز المحول عن الفاعل أي فالمورى قدحها ولعله أمير وأبعد عن القدح. وعن قتادة: الموريات مجاز في الخيل توري نار الحرب وتوقدها وهو خلاف الظاهر فَالْمُغِيراتِ من أغار على العدو هجم عليه بغتة بخيله لنهب أو قتل أو إسار، فالإغارة صفة أصحاب الخيل وإسنادها إليها إما بالتجوز فيه أو بتقدير المضاف والأصل فالمغير أصحابها أي فالتي يغير أصحابها على العدو عليها وقيل بسببها صُبْحاً أي في وقت الصبح فهو نصب على الظرفية وذلك هو المعتاد في الغارات كانوا يعدون ليلا لئلا يشعر بهم العدو ويهجمون صباحا ليروا ما يأتون وما يذرون وكانوا يتحمسون بذلك ومنه قوله:
قومي الذين صبحوا الصباحا ... يوم النخيل غارة ملحاحا
فَأَثَرْنَ بِهِ من الإثارة وهي التهييج وتحريك الغبار ونحوه. والأصل أثورن نقلت حركة الواو إلى ما قبلها وقلبت ألفا وحذفت لاجتماع الساكنين، والفعل عطف على الاسم قبله وهو العاديات، أو ما بعده لأنه اسم فاعل وهو في معنى الفعل خصوصا إذا وقع صلة فكأنه قيل: فاللاتي عدون فأورين فأغرن فأثرن. ولا شذوذ في مثله لأن الفعل تابع فلا يلزم دخول أل عليه ولا حاجة إلى أن يقال هو معطوف على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه. والحكمة في مجيء هذا فعلا بعد اسم فاعل على ما قال ابن المنير تصوير هذه الأفعال في النفس فإن التصوير يحصل بإيراد الفعل بعد الاسم لما بينهما من التخالف وهو أبلغ من التصوير بالأسماء المتناسقة وكذلك التصوير بالمضارع بعد المضارع كقول ابن معد يكرب:
بأني قد لقيت الغول يهوي ... بشهب كالصحيفة صحصحان
فآخذه فأضربه فخرت ... صريعا لليدين وللجران
وخص هذا المقام من الفائدة على ما قال الطيبي أن الخيل وصفت بالأوصاف الثلاثة ليرتب عليها ما قصد من الظفر بالفتح فجيء بهذا الفعل الماضي وما بعده مسببين عن أسماء الفاعلين فأفاد ذلك أن تلك المداومة أنتجت هاتين البغيتين، ويفهم منه أن الفاء لتفريع ما بعدها عما قبلها وجعله مسببا عنه وسيأتي الكلام فيها قريبا إن شاء الله تعالى وضمير بِهِ للصبح والباء ظرفية أي فهيجن في ذلك الوقت نَقْعاً أي غبارا وتخصيص إثارته بالصبح لأنه لا يثور أو لا يظهر ثورانه بالليل وبهذا يظهر أن الإيراء الذي لا يظهر في النهار