يحترق. وقال الفرّاء: هو غوغاء الجراد الذي ينتشر في الأرض ويركب بعضه بعضا من الهول وقال صاحب التأويلات: اختلفوا في تأويله على وجوه لكن كلها ترجع إلى معنى واحد وهو الإشارة إلى الحيرة والاضطراب من هول ذلك اليوم واختار غير واحد ما روي عن قتادة وقالوا: شبهوا في الكثرة والانتشار والضعف والذلة والمجيء والذهاب على غير نظام والتطاير إلى الداعي من كل جهة حين يدعوهم إلى المحشر بالفراش المتفرق المتطاير قال جرير:
إن الفرزدق ما علمت وقومه ... مثل الفراش غشين نار المصطلي
وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ أي الصوف مطلقا أو المصبوغ كما قيده الراغب به وقد تقدم الكلام فيه في المعارج وكان بمعنى صار أي وتصير جميع الجبال كالعهن الْمَنْفُوشِ المفرق بالأصبع ونحوها في تفرق أجزائها وتطايرها في الجو حسبما ينطق به غير آية. وقوله تعالى فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ إلى آخره بيان إجمالي لتحزب الناس حزبين وتنبيه على كيفية الأحوال الخاصة بكل منهما إثر بيان الأحوال الشاملة للكل.
وهذا إشارة إلى وزن الأعمال وهو مما يجب الإيمان به حقيقة ولا يكفره منكره ويكون بعد تطاير الصحف وأخذها بالأيمان والشمائل وبعد السؤال والحساب كما ذكره الواحدي وغيره. وجزم به صاحب كنز الأسرار بميزان له لسان وكفتان كإطباق السماوات والأرض والله تعالى أعلم بماهيته. وقد روي القول به عن ابن عباس والحسن البصري وعزاه في شرح المقاصد لكثير من المفسرين ومكانه بين الجنة والنار كما في نوادر الأصول وذكر يتقبل به العرش يأخذ جبريل عليه السلام بعموده ناظرا إلى لسانه وميكائيل عليه السلام أمين عليه والأشهر الأصح أنه ميزان واحد كما ذكرنا لجميع الأمم ولجميع الأعمال فقوله تعالى مَوازِينُهُ وهو جمع ميزان وأصله موزان بالواو لكن قلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها قيل للتعظيم كالجمع في قوله تعالى كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: ١٢٣] في وجه أو باعتبار أجزائه نحو شابت مفارقه أو باعتبار تعدد الأفراد للتغاير الاعتباري كما قيل في قوله:
لمعان برق أو شعاع شموس وزعم الرازي على ما نقل عنه أن فيه حديثا مرفوعا. وقال آخرون: توزن نفس الأعمال فتصور الصالحة بصور حسنة نورانية ثم تطرح في كفة النور وهي اليمنى المعدة للحسنات فتثقل بفضل الله تعالى، وتصور الأعمال السيئة بصور قبيحة ظلمانية ثم تطرح في كفه الظلمة وهي الشمال فتخفف بعدل الله تعالى وامتناع قلب الحقائق في مقام خرق العادات ممنوع أو مقيد ببقاء آثار الحقيقة الأولى. وقد ذهب بعضهم إلى أن الله تعالى يخلق أجساما على عدد تلك الأعمال من غير قلب لها وادعى أن فيه أثرا. والظاهر أن الثقل والخفة مثلهما في الدنيا فما ثقل نزل إلى أسفل ثم يرتفع إلى عليين وما خف طاش إلى أعلى ثم نزل إلى سجين وبه صرح القرطبي وقال بعض المتأخرين: هما على خلاف ما في الدنيا وأن عمل المؤمن إذا رجح صعد وثقلت سيئاته وأن الكافر تثقل كفته لخلو الأخرى من الحسنات ثم تلا وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر: ١٠] وفي كونه دليلا نظر وذكر بعضهم أن صفة الوزن أن يجعل جميع أعمال العباد في الميزان مرة واحدة الحسنات في كفة النور عن يمين العرش جهة الجنة، والسيئات في كفة الظلمة جهة النار، ويخلق الله تعالى لكل إنسان علما ضروريا يدرك به خفة أعماله وثقلها. وقيل نحو إلّا أن علامة الرجحان عمود من نور يثور من كفة الحسنات حتى يكسو كفة السيئات وعلامة الخفة عمود ظلمة يثور من كفة السيئات حتى يكسو كفة الحسنات