المرجح الذي عليه الجمهور قيل ولادته عليه الصلاة والسلام في اليوم الذي بعث الله تعالى فيه الطير على أصحاب الفيل من ذلك العام وهو المذكور في تاريخ ابن حبان وهو ظاهر قول ابن عباس: ولد عليه الصلاة والسلام يوم الفيل. وذهب السهيلي أنه صلّى الله عليه وسلم ولد بعدها بخمسين يوما وكانت في المحرم والولادة في شهر ربيع الأول. وقال الحافظ الدمياطي: بخمسة وخمسين يوما، وقيل بأربعين، وقيل بشهر. والمشهور ما ذهب إليه السهيلي. وفي قوله تعالى رَبُّكَ نوع رمز إلى الإرهاص وكون ذلك لشرف البيت ودعوة الخليل عليه السلام لا ينافي الإرهاص وكذا لا ينافيه
قوله صلّى الله عليه وسلم في الحديبية لما بركت ناقته وقال الناس: خلأت أي حرنت: «ما خلأت ولكن حبسها حابس الفيل»
إذ لم يدع أن ما كان للإرهاص لا غير ومثل هذه العلل لا يضر تعددها، ويؤيد الإرهاص قصة القرامطة وغيرهم. وتفصيل القصة أن أبرهة الأشرم بن الصباح الحبشي كما قال ابن إسحاق وغيره وهو الذي يكنى بأبي يكسوم بالسين المهملة ولا يأباه التسمية بأبرهة بناء على أن معناه بالحبشة الأبيض الوجه كما لا يخفى. وقيل: إنه الحميري خرج على أرباط ملك اليمن من قبل أصحمة النجاشي- بكسر النون- بعد سنتين من سلطانه فتبارزا وقد أرصد الأشرم خلفه غلامه عتورة فحمل عليه أرباط بحربة فضربه يريد يافوخه فوقعت على جبهته فشرمت حاجبه وأنفه وعينه وشفته ولذا سمي الأشرم، فحمل عتورة من خلف أبرهة فقتله وملك مكانه، فغضب النجاشي فاسترضاه فرضي فأثبته. ثم إنه بنى بصنعاء كنيسة لم ير مثلها في زمانها سمّاها القليس بقاف مضمومة ولام مفتوحة مشددة كما في ديوان الأدب أو مخففة كما قيل وبعدها ياء مثناة سفلية ثم سين مهملة، وكان ينقل إليها الرخام المجزع والحجارة المنقوشة بالذهب على ما يقال من قصر بلقيس زوج سليمان عليه السلام، وكتب إلى النجاشي: إنني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها قبلك ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب. فلما تحدثت العرب بكتابه ذلك غضب رجل من النساءة أحد بني فقيم بن عدي من كنانة فخرج حتى أتاها فقعد فيها أي أحدث ولطخ قبلتها بحدثه ثم خرج ولحق بأرضه، فأخبر أبرهة، فقال: من صنع هذا؟ فقيل: رجل من أهل هذا البيت الذي تحج إليه العرب بمكة غضب لما سمع قولك أصرف إليها حج العرب ففعل ذلك، فاستشاط أبرهة غضبا وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه. وقيل: أججت رفقة من العرب نارا حولها فحملتها الريح فأحرقتها فغضب لذلك فأمر الحبشة فتهيأت وتجهزت، فخرج في ستين ألفا على ما قيل منهم ومعه فيل اسمه محمود وكان قويا عظيما واثنا عشر فيلا غيره وقيل ثماني وروي ذلك عن الضحاك، وقيل ألف فيل وقيل معه محمود فقط وهو قول الأكثرين الأوفق بظاهر الآية، فسمعت العرب بذلك فأعظموه وقلقوا به ورأوا جهاده حقا عليهم، فخرج إليه رجل من أشراف اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر بمن أطاعه من قومه وسائر العرب فقاتله فهزم وأخذ أسيرا فأراد قتله فقال: أيها الملك لا تقتلني فعسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي، فتركه وحبسه عنده حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي بمن معه من قومه وغيرهم فقاتله فهزم وأخذ أسيرا فهم بقتله فقال نحو ما سبق فخلى سبيله وخرج به يدله حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معيب بن مالك الثقفي في رجال من ثقيف فقال له: أيها الملك إنما نحن عبيدك سماعون لك مطيعون ليس لك عندنا خلاف وليس بيتنا هذا الذي تريد يعنون بيت اللات إنما تريد البيت الذي بمكة ونحن نبعث معك من يدلك عليه، فتجاوز عنهم فبعثوا معه أبا رغال فخرج ومعه أبو رغال حتى أنزله المغمس- كمعظم- موضع بطريق الطائف معروف، فلما نزله مات أبو رغال ودفن هناك فرجمت قبره العرب كما قال ابن إسحاق.
وقيل القبر الذي هناك لأبي رغال رجل من ثمود وهو أبو ثقيف كان بالحرم يدفع عنه فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه