ومعنى كون الحجارة من الدلو أنها متتابعة كثيرة كالماء الذي يصب من الدلو ففيه استعارة مكنية وتخييلية.
وقيل من الإسجال بمعنى الإرسال والمعنى من مثل شيء مرسل، ومِنْ في جميع ذلك ابتدائية وقيل من السجل وهو الكتاب أخذ منه السجين وجعل علما للديوان الذي كتب فيه عذاب الكفار، والمعنى من جملة العذاب المكتوب المدون فمن تبعيضيه. واختلف في حجم تلك الطير وكذا في حجم تلك الحجارة فمر أنها مثل الخطاطيف وأن الحجارة أمثال الحمص والعدس. وأخرج أبو نعيم عن نوفل بن أبي معاوية الديلمي أنه قال: رأيت الحصى التي رمي بها أصحاب الفيل حصى مثل الحمص وأكبر من العدس حمر بحتمة (١) كأنها جزع ظفار. وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس أنه قال: حجارة مثل البندق. وفي رواية ابن مردويه عنه مثل بعر الغنم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عبيد بن عمير أنه قال في الاية: هى طير خرجت من قبلة البحر كأنها رجال السند معها حجارة أمثال الإبل البوارك وأصغرها مثل رؤوس الرجال لا تريد أحدا منهم إلا أصابته ولا أصابته إلا قتلته، والمعول عليه أن الطير في الحجم كالخطاطيف، وأن الحجارة منها ما هو كالحمصة ودوينها وفويقها. وروى ابن مردويه وأبو نعيم عن أبي صالح أنه مكتوب على الحجر اسم من رمي به واسم أبيه وأنه رأى ذلك عند أم هانىء فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ كورق زرع وقع فيه الأكال وهو أن يأكله الدود أو أكل حبه فبقى صفرا منه، والكلام على هذا على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، أو على الإسناد المجازي والتشبيه بذلك لذهاب أرواحهم وبقاء أجسادهم، أو لأن الحجر بحرارته يحرق أجوافهم. وذهب غير واحد إلى أن المعنى كتبن أكلته الدواب وراثته والمراد كروث إلا أنه لم يذكر بهذا اللفظ لهجنته فجاء على الآداب القرآنية فشبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء الروث، ففيه إظهار تشويه حالهم وقيل:
المعنى كتبن تأكله الدواب وتروثه والمراد جعلهم في حكم التبن الذي لا يمنع عنه الدواب أي مبتذلين ضائعين لا يلتفت إليهم أحد ولا يجمعهم ولا يدفنهم كتبن في الصحراء تفعل به الدواب ما شاءت لعدم حافظ له إلّا أنه وضع مأكول موضع أكلته الدواب لحكاية الماضي في صورة الحال وهو كما ترى. وكأنه لما أن مجيئهم لهدم الكعبة ناسب إهلاكهم بالحجارة ولما أن الذي أثار غضبهم عذرة الكناني شبههم فيما فعل سبحانه بهم على القول الأخير بالروث أو لما أن الذي أثاره احتراقها بما حملته الريح من نار العرب على ما سمعت شبههم عز وجل فيما فعل جل شأنه بهم بعصف أكل حبه على ما أشرنا إليه أخيرا. وقرأ أبو الدرداء فيما نقل ابن خالويه «مأكول» بفتح الهمزة اتباعا لحركة الميم وهو شاذ وهذا كما أتبعوا في قولهم «محموم» بفتح الحاء لحركة الميم والله تعالى أعلم.