للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأخريان للحال واختاره أبو حيان أي ولست في الحال بعابد معبوديكم، ولا أنتم في الحال بعابدي معبودي.

وقيل بالعكس وعليه كلام الزجاج ومحيي السنة. وقيل الأوليان للماضي والأخريان للمستقبل نقله ابن كثير عن حكاية البخاري وغيره، ونقل أيضا عن شيخ الإسلام ابن تيمية أن المراد بقوله سبحانه لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ نفي الفعل لأنها جملة فعلية وبقوله تعالى وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ نفي قبوله صلّى الله عليه وسلم لذلك بالكلية لأن النفي بالجملة الاسمية آكد فكأنه نفى الفعل وكونه عليه الصلاة والسلام قابلا لذلك ومعناه نفي الوقوع ونفي إمكانه الشرعي، ونوقش في إفادة الجملة الاسمية نفي القبول ولا يبعد أن يقال إن معنى الجملة الفعلية نفي الفعل في زمان معين، والجملة الاسمية معناها نفي الدخول تحت هذا المفهوم مطلقا من غير تعرض للزمان كأنه قيل: أنا ممن لا يصدق عليه هذا المفهوم أصلا وأنتم ممن لا يصدق عليه ذلك المفهوم فتدبر. وقيل: الأوليان لنفي الاعتبار الذي ذكره الكافرون، والأخريان للنفي على العموم أي لا أعبد ما تعبدون رجاء أن تعبدوا الله تعالى، ولا أنتم عابدون رجاء أن أعبد صنمكم. ثم قيل: ولا أنا عابد صنمكم لغرض من الأغراض بوجه من الوجوه، وكذا أنتم لا تعبدون الله تعالى لغرض من الأغراض وإيثار ما في ما أعبد قيل على جميع الأقوال السابقة على من لأن المراد الصفة كأنه قيل ما أعبد من المعبود العظيم الشأن الذي لا يقادر قدر عظمته، وجوز أن يقال لما أطلقت ما على الأصنام أولا وهو إطلاق في محزه أطلقت على المعبود بحق للمشاكلة ومن يقول إن ما يجوز أن تقع على من يعلم ونسب إلى سيبويه لا يحتاج إلى ما ذكر وقال أبو مسلم: ما في الأوليين بمعنى الذي مفعول به، والمقصود المعبود أي لا أعبد الأصنام ولا تعبدون الله تعالى. وفي الأخريين مصدرية أي ولا أنا عابد مثل عبادتكم المبنية على الشك وإن شئت قلت على الشرك المخرج لها عن كونها عبادة حقيقة ولا أنتم عابدون مثل عبادتي المبنية على اليقين وإن شئت قلت على التوحيد والإخلاص، وعليه لا يكون تكرار أيضا.

وقال بعض الأجلّة في هذا المقام إن قوله تعالى لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وقوله سبحانه وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ إما كلاهما نفي الحال أو كلاهما نفي الاستقبال، أو أحدهما للحال والآخر للاستقبال، وعلى التقادير فلفظ ما إما مصدرية في الموضعين وإما موصولة أو موصوفة فيهما، وإما مصدرية في أحدهما وموصولة أو موصوفة في الآخر وهذه ستة احتمالات حاصلة من ضرب الثلاثة في الاثنين. ولم يلتفت إلى تقسيم صورة الاختلاف إلى الفرق بين الأولى والأخرى، ولا إلى الفرق بين الموصولة والموصوفة لتكثر الأقسام لأن صور الاختلاف متساوية الاقدام في دفع التكرار، ومؤدى الموصولة والموصوفة متقاربان فيكتفى بإحداهما وكذا الحال في قوله تعالى وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ في الموضعين ومعلوم أنه لا تكرار في صورة الاختلاف سواء كان باعتبار الحال والاستقبال أو باعتبار كون ما في أحدهما موصولة أو موصوفة وفي الآخر مصدرية ونفي عبادتهم في الحال أو الاستقبال معبوده عليه الصلاة والسلام بناء على عدم الاعتداد بعبادتهم لله تعالى مع الإشراك المحبط لها وجعلها هباء منثورا كما قيل:

إذا صافى صديقك من تعادي ... فقد عاداك وانقطع الكلام

ومن هنا قال بعض الأفاضل في إخراج الآية عن التكرار: يحتمل أن يكون المراد من قوله تعالى لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ نفي عبادة الأصنام، ومن قوله تعالى وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ نفي عبادة الله تعالى من غير تعرض لشيء آخر، ولما كان مظنة أن يقولوا لغفلة عن المراد أو نحوها كيف يسوغ لك أن تنفي عنك عبادة ما نعبد وعنا عبادة ما تعبد ونحن أيضا نعبد الله تعالى غاية ما في الباب أنا نعبد معه غيره، أردف ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>