شيء كقوله تعالى وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً [الفرقان: ٢٣] كما قال قتادة،
وعن ابن عباس ومجاهد ما كسب من الولد أخرج أبو داود عن عائشة مرفوعا:«إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه»
وروي أنه كان يقول: إن كان ما يقول ابن أخي حقا فأنا أفتدي منه نفسي بمالي وولدي وكان له ثلاثة أبناء عتبة ومعتب وقد أسلما يوم الفتح، وسرّ النبي عليه الصلاة والسلام بإسلامهما ودعا لهما، وشهدا حنينا والطائف وعتيبة بالتصغير ولم يسلم. وفي ذلك يقول صاحب كتاب الألباء:
كرهت عتيبة إذ أجرما ... وأحببت عتبة إذ أسلما
كذا معتب مسلم فاحترز ... وخف أن تسب فتى مسلما
وكانت أم كلثوم بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم عند عتيبة ورقية أختها عند أخيه عتبة، فلما نزلت السورة قال أبو لهب لهما: رأسي ورأسكما حرام إن لم تطلقا ابنتي محمد صلّى الله عليه وسلم فطلقاهما إلا أن عتيبة المصغر كان قد أراد الخروج إلى الشام مع أبيه فقال: لآتين محمدا عليه الصلاة والسلام وأوذينه فأتاه فقال: يا محمد إني كافر بالنجم إذا هوى وبالذي دنا فتدلى، ثم تفل تجاه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم يصبه عليه الصلاة والسلام شيء وطلق ابنته أم كلثوم فأغضبه عليه الصلاة والسلام بما قال وفعل. فقال صلّى الله عليه وسلم:«اللهم سلط عليه كلبا من كلابك» .
وكان أبو طالب حاضرا فكره ذلك وقال له: ما أغناك يا ابن أخي عن هذه الدعوة. فرجع إلى أبيه ثم خرجوا إلى الشام فنزلوا منزلا فأشرف عليهم راهب من دير وقال لهم: إن هذه أرض مسبعة فقال أبو لهب: أغيثوني يا معشر قريش في هذه الليلة فإني أخاف على ابني دعوة محمد صلّى الله عليه وسلم فجمعوا جمالهم وأناخوها حولهم خوفا من الأسد، فجاء أسد يتشمم وجوههم حتى أتى عتيبة فقتله وفي ذلك يقول حسان:
من يرجع العام إلى أهله ... فما أكيل السبع بالراجع
وهلك أبو لهب نفسه بالعدسة بعد وقعة بدر لسبع ليال فاجتنبه أهله مخافة العدوي وكانت قريش تتقيها كالطاعون، فبقي ثلاثا حتى أنتن فلما خافوا العار استأجروا بعض السودان فاحتملوه ودفنوه، وفي رواية حفروا له حفرة ودفعوه بعود حتى وقع فيها فقذفوه بالحجارة حتى واروه وفي أخرى أنهم لم يحفروا له وإنما أسندوه لحائط وقذفوا عليه الحجارة من خلفه حتى توارى فكان الأمر كما أخبر به القرآن. وقرأ عبد الله «وما اكتسب» بناء الافتعال سَيَصْلى ناراً سيدخلها لا محالة في الآخرة ويقاسي حرها والسين لتأكيد الوعيد والتنوين للتعظيم أي نارا عظيمة ذاتَ لَهَبٍ ذات اشتعال وتوقد عظيم وهي نار جهنم، وجملة ما أَغْنى إلخ قال في الكشف: استئناف جوابا عما كان يقول أنا أفتدي بمالي، ويتوهم من صدقه وفيه تحسير له وتهكم بما كان يفتخر به من المال والبنين، وهذه الجملة تصوير للهلاك بما يظهر معه عدم إغناء المال والولد وهو ظاهر على تفسير ما كسب بالولد. وقال بعض الأفاضل: الأولى إشارة لهلاك عمله وهذه إشارة لهلاك نفسه، وهو أيضا على بعض الأوجه السابقة فتذكر ولا تغفل. وقوله تعالى وَامْرَأَتُهُ عطف على المستكن في سَيَصْلى لمكان الفصل بالمفعول. وقوله تعالى حَمَّالَةَ الْحَطَبِ نصب على الشتم والذم وقيل على الحالية بناء على أن الإضافة غير حقيقية للاستقبال على ما ستسمعه إن شاء الله تعالى وهي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان.
أخرج ابن عساكر عن جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر رضي الله تعالى عنهما أن عقيل بن أبي طالب دخل على معاوية فقال معاوية له: أين ترى عمك أبا لهب من النار؟ فقال له عقيل: إذا دخلتها فهو على يسارك مفترش عمتك حمالة الحطب والراكب خير من المركوب