للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو الجملة بذلك المعنى، ولذا تراهم يوجبون كسر همزة إن بعد القول وكذا تمثيلهم لها بنطقي الله حسبي وكفى أي منطوقي الذي أنطق به ذلك إذ من الظاهر أن ما نطق به هو الجملة بالمعنى المعروف، وقد دل كلام ابن مالك في التسهيل على المراد بكون الجملة التي لا تحتاج إلى رابط عين المبتدأ أنها وقعت خبرا عن مفرد مدلوله جملة وهو ظاهر فيما قلنا أيضا، وكون ذلك شأنا أي عظيما من الأمور باعتبار ما تضمنه ووصف الكلام بالعظم ومقابله بهذا الاعتبار شائع ذائع. وقال العلامة أحمد الغنيمي: إن أريد أنها عينه بحسب المفهوم فهو مشكل لعدم الفائدة، وإن أريد عينه بحسب المصدق مع التغاير في المفهوم كما هو شأن سائر الموضوعات مع محمولاتها فقد يقال إنه مشكل أيضا إذ ما صدق ضمير الشأن أعم من الله أحد والخاص لا يحمل على العام في القضايا الكلية، ودعوى الجزئية في هذا المقام ينبو عنه تصريحهم بأن ضمير الشأن لا يخلو عن إبهام. وبعبارة أخرى وهي إن ما صدق عليه ضمير الشأن مفرد وما صدق الجملة مركب ولا شيء من المفرد بمركب، ولذا تراهم يؤولون الجملة الواقعة خبرا بمفرد صادق على المبتدأ ليصح وقوعها خبرا والتزام ذلك في الجملة الواقعة خبرا عن ضمير الشأن ينافيه تصريحهم بأنها غير مؤولة بالمفرد وإن كانت في موقعه.

وأجيب بأن معنى قولهم هو ضمير الشأن أنه ضمير راجع إليه وموضوع موضعه وإن لم يسبق له ذكر للإيذان بأن من الشهرة والنباهة بحيث يستحضره كل أحد وإليه يشير كل مشير وعليه يعود كل ضمير، وقولهم في عد الضمائر التي ترجع إلى متأخر لفظا ورتبة منها ضمير الشأن فإنه راجع إلى الجملة بعده مسامحة ارتكبوها لأن بيان الشأن وتعيين المراد به بها فما صدق الضمير هو بعينه ما صدق الشأن الذي عاد هو عليه فيختار الشق الثاني، فإما أن يراد بالشأن الشأن المعهود ادعاء وتجعل القضية شخصية نظير هذا زيد، وإما أن يراد المعنى الكلي وتجعل القضية مهملة وهي في قوة الجزئية كأنه قيل بعض الشأن الله أحد.

وجاء الإبهام الذي ادعي تصريحهم به من عدم تعين البعض قبل ذكر الجملة وحملها عليه وما صدق عليه الشأن كما يكون مفردا يكون جملة فليكن هنا كذلك، واستمجد الأول واحتمال الكلية مبالغة نحو كل الصيد في جوف الفرا كما ترى فليتأمل. وجوزوا أن يكون هو ضمير المسئول عنه أو المطلوب صفته أو نسبته،

فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده والبخاري في تاريخه والترمذي والبغوي في معجمه وابن عاصم في السنة والحاكم وصححه وغيرهم عن أبيّ بن كعب أن المشركين قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلم: يا محمد انسب لنا ربك؟

فأنزل الله تعالى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ السورة

.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني في الأوسط والبيهقي بسند حسن وآخرون عن جابر قال: جاء أعرابي إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم فقال: انسب لنا ربك، فأنزل الله تعالى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ

إلخ.

وفي المعالم عن ابن عباس أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أتيا النبي صلّى الله عليه وسلم فقال عامر: إلام تدعونا يا محمد؟ قال: «إلى الله» قالا: صفه لنا أمن ذهب هو أم من فضة أو من حديد أو من خشب؟ فنزلت هذه السورة فأهلك الله تعالى أربد بالصاعقة وعامرا بالطاعون

.

وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس أن اليهود جاءت إلى النبيّ عليه الصلاة والسلام منهم كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب فقالوا: يا محمد صف لنا ربك الذي بعثك، فأنزل الله تعالى السورة

. وكون السائلين اليهود مروي عن الضحاك وابن جبير وقتادة ومقاتل وهو ظاهر في أن السورة مدنية. وجاز رجوع الضمير إلى ذلك للعلم به من السؤال وجرى ذكره فيه وهُوَ عليه مبتدأ، والاسم الجليل خبره، وأَحَدٌ خبر بعد خبر. وأجاز الزمخشري أن يكون بدلا من الاسم الجليل على ما هو المختار من جواز إبدال النكرة من المعرفة، وأن يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>