قوله تعالى أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً [يوسف: ٤١] وقولهم يوم الأحد أي يوم الأول. والثالث أن يستعمل مطلقا وصفا وليس ذلك إلّا في وصف الله تعالى وهو وإن كان أصله واحدا إلّا أن أحدا يستعمل في غيره سبحانه نحو قول النابغة:
كأن رحلي وقد زال النهار بنا ... بذي الجليل على مستأنس وحد
انتهى. وقال مكي: أصل أحد واحد فأبدلوا الواو همزة فاجتمع ألفان لأن الهمزة تشبه الألف فحذفت إحداهما تخفيفا. وفرق ثعلب بين أحد وواحد بأن أحدا لا يبنى عليه العدد ابتداء فلا يقال أحد واثنان كما يقال واحد واثنان، ولا يقال رجل أحد كما يقال رجل واحد ولذلك اختص به سبحانه وفرق بعضهم بينهما أيضا بأن الأحد في النفي نص في العموم بخلاف الواحد فإنه محتمل للعموم وغيره، فيقال: ما في الدار أحد ولا يقال بل اثنان. ويجوز أن يقال ما في الدار واحد بل اثنان ونقل عن بعض الحنفية أنه قال في التفرقة بينهما إن الأحدية لا تحتمل الجزئية والعددية بحال، والواحدية تحتملها لأنه يقال مائة واحدة وألف واحد ولا يقال مائة أحد إلّا ألف أحد وبني على ذلك مسألة الإمام محمد بن الحسن التي ذكرها في الجامع الكبير إذا كان لرجل أربع نسوة فقال: والله لا أقرب واحدة منكن صار موليا منهن جميعا ولم يجز أن يقرب واحدة منهن إلّا بكفارة، ولو قال: والله لا أقرب إحداهما كن لم يصر موليا إلّا من إحداهن والبيان إليه. وفرق الخطابي بأن الأحدية لتفرد الذات والواحدية لنفي المشاركة في الصفات، ونقل عن المحققين التفرقة بعكس ذلك ولما لم ينفك في شأنه تعالى أحد الأمرين من الآخر قيل الواحد الأحد في حكم اسم واحد، وفسر الأحد هنا ابن عباس وأبو عبيدة كما قال الجوزي بالواحد وأيد بقراءة الأعمش «قل هو الله الواحد» . وفسر بما لا يتجزأ ولا ينقسم. وقال بعض الأجلّة: إن الواحد مقول على ما تحته بالتشكيك، فالمراد به هنا حيث أطلق المتصف بالواحدية التي لا يمكن أن يكون أزيد منها ولا أكمل فهو ما يكون منزه الذات عن أنحاء التركيب والتعدد خارجا وذهنا وما يستلزم أحدهما كالجسمية والتحيز والمشاركة في الحقيقة وخواصها كوجوب الوجود والقدرة الذاتية والحكمة التامة المقتضية للألوهية، وهو مأخوذ من كلام الرئيس أبي علي بن سينا في تفسيره السورة الجليلة حيث قال إن أحدا دال على أنه تعالى واحد من جميع الوجوه وأنه لا كثرة هناك أصلا لا كثرة معنوية (١) وهي كثرة المقومات والأجناس والفصول وكثرة الأجزاء الخارجية المتمايزة عقلا كما في المادة والصورة، والكثرة الحسية بالقوة أو بالفعل كما في الجسم وذلك يتضمن لكونه سبحانه منزها عن الجنس والفصل والمادة والصورة والأعراض والأبعاض والأعضاء والأشكال والألوان وسائر ما يثلم الوحدة الكاملة والبساطة الحقة اللائقة بكرم وجهه عز وجل عن أن يشبهه شيء أو يساويه سبحانه شيء. وقال ابن عقيل الحنبلي: الذي يصح لنا من القول مع إثبات الصفات أنه تعالى واحد في إلهيته لا غير. وقال غيره من السفليين كالحافظ ابن رجب: هو سبحانه الواحد في إلهيته وربوبيته فلا معبود ولا رب سواه عز وجل، واختار بعد وصفه تعالى بما ورد له سبحانه من الصفات أن المراد الواحدية الكاملة وذلك على الوجهين كون الضمير للشأن وكونه للمسؤول عنه، ولا يصح أن يراد الواحد بالعدد أصلا إذ يخلو الكلام عليه من الفائدة. وذكر بعضهم أن الاسم الجليل يدل على جميع
(١) قوله لا كثرة معنوية إلخ كذا في النسخ ولعله سقط من قلم المؤلف ولا كثرة حسية وهي كثرة الأجزاء الخارجية وليحرر المنقول عن ابن سينا اه.