للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإلهية والعقائد الإسلامية، ولذا جاء فيها ما جاء من الأخبار وورد ما ورد من الآثار، ودل على تحقيق معنى الآلهة بالصمدية التي معناها وجوب الوجود أو المبدئية لوجود كل ما عداه من الموجودات، ثم عقب ذلك ببيان أنه لا يتولد عنه غيره لأنه غير متولد عن غيره، وبيّن أنه تعالى وإن كان إلها لجميع الموجودات فياضا للوجود عليها فلا يجوز أن يفيض الوجود على مثله كما لم يكن وجوده من غيره، ثم عقب ذلك ببيان أنه ليس في الوجود ما يساويه في قوة الوجود فمن أول السورة إلى الصَّمَدُ في بيان ماهيته تعالى ولوازم ماهيته ووحدة حقيقته وإنه غير مركب أصلا ومن قوله تعالى لَمْ يَلِدْ إلى أَحَدٌ في بيان أنه ليس ما يساويه من نوعه ولا من جنسه لا بأن يكون سبحانه متولدا، ولا بأن يكون متولدا عنه، ولا بأن يكون متوازي في الوجود، وبهذا المبلغ يحصل تمام معرفة ذاته عز وجل انتهى. وأشار فيه إلى أنه وَلَمْ يُولَدْ كالتعليل لما قبله وكأن قد قال قبل إن كل ما كان ماديا أو كان له علاقة بالمادة يكون متولدا من غيره فيصير تقدير الكلام لم يلد لأنه لم يتولد، والإشارة إلى دليله بهو أول السورة فإنه لما لم يكن له ماهية واعتبار سوى أنه هو لذاته وجب أن لا يكون متولدا عن غيره وإلّا لكانت هويته مستفادة عن غيره فلا يكون هو لذاته، وظاهر العطف يقتضي عدم اعتبار ما أشار إليه من العلية وقد علمت فيما سبق وجه ذكره وجعل بعضهم العطف فيه قريبا من عطف لا يستقدمون على لا يستأخرون. وأشار بعض السلف إلى أن ذكر ذلك لأنه جاء في سبب النزول أنهم سألوا النبي صلّى الله عليه وسلم عن ربه سبحانه من أي شيء هو أمن كذا أم من كذا وممن ورث الدنيا ولمن يورثها؟ وقال الإمام: إن هو الله أحد ثلاثة ألفاظ، وكل واحد منها إشارة إلى مقام من مقامات الطالبين، فالمقام الأول مقام المقربين وهو أعلى مقامات السائرين إلى الله تعالى، وهؤلاء نظروا بعيون عقولهم إلى ماهيات الأشياء وحقائقها من حيث هي فما رأوا موجودا سوى الحق لأنه الذي يجب وجوده لذاته وما عداه ممكن لذاته فهو من حيث ذاته ليس، فقالوا: هو إشارة إلى الحق إذ ليس هناك في نظرهم موجود يرجع إليه سواه عز وجل ليحتاج إلى التمييز والمقام الثاني لأصحاب اليمين هؤلاء شاهدوا الحق سبحانه موجودا وكذا شاهدوا الخلق فحصلت كثرة في الموجودات في نظرهم فلم يكن هو كافيا في الإشارة إلى الحق بل لا بد من مميز فاحتاجوا إلى أن يقرنوا لفظة الله بلفظ فقيل لأجلهم هو الله. والمقام الثالث مقام أصحاب الشمال الذين يجوزون أن يكون واجب الوجود أكثر من واحد والإله كذلك فجيء بأحد ردا عليهم وإبطالا لمقالتهم انتهى. وبعض الصوفية عد لفظة هو من عداد الأسماء الحسنى بل قال إن هاء الغيبة هي اسمه تعالى الحقيقي لدلالته على الهوية المطلقة مع كونه من ضروريات التنفس الذي به بقاء حياة النفس وإشغار رسمه بالإحاطة ومرتبته من العدد إلى دوامه وعدم فنائه. ونقل الدواني عن الإمام أنه قال: علمني بعض المشايخ يا هو يا من هو يا من لا إله إلّا هو وعلى ذلك اعتقاد أكثر المشايخ اليوم ولم يرد ذلك في الأخبار المقبولة عند المحدثين والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>