للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل الكل حاصل موقوف على أن يصرف المستعد جهة قبوله إليه وهو المعني بالإشارة النبوية:

«إن لربكم في أيام دهرهكم نفحات من رحمته ألا فتعرضوا لها»

بين أن نفحات الألطاف دائمة وإنما الخلل من المستعد انتهى. وفي رواية عن ابن عباس أيضا وجماعة من الصحابة والتابعين أن الفلق جب في جهنم.

وأخرج ابن مردويه والديلمي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ قال: «هو سجن في جهنم يحبس فيه الجبارون والمتكبرون، وإن جهنم لتعوذ بالله تعالى منه» .

وأخرج ابن مردويه عن عمرو بن عنبسة قال: صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقرأ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ فقال: «يا ابن عنبسة أتدري ما الفلق» ؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «بئر في جهنم فإذا سعرت البئر فمنها تسعر جهنم لتتأذى منه كما يتأذى ابن آدم من جهنم» .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن كعب قال: الفلق بيت في جهنم إذا فتح صاح أهل النار من شدة حره

وعن الكلبي أنه واد في جهنم

وقيل هو جهنم وهو على ما في الكشاف من قولهم لما اطمأن من الأرض الفلق والجمع فلقان كخلق وخلقان وتخصيصه بالذكر قيل لأنه مسكن اليهود فعن بعض الصحابة أنه قدم الشام فرأى دور أهل الذمة وما هم فيه من خفض العيش وما وسع عليهم من دنياهم فقال: لا أبالي أليس من ورائهم الفلق وفسر بما روي آنفا عن كعب ومنهم الذي سحر النبيّ صلّى الله عليه وسلم ففي تعليق العياذ بالرب مضافا إليه عدة كريمة بإعاذته صلّى الله عليه وسلم من شرهم. ولا يخفى أن هذا مما لا يثلج الصدر وأظن ضعف الأخبار السالفة ويترجح في نظري المعنى الأول للفلق.

مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ أي من شر الذي خلقه من الثقلين وغيرهم كائنا ما كان من ذوات الطباع والاختيار، والظاهر عموم الشر للمضار البدنية وغيرها. وزعم بعضهم أن الاستعاذة هاهنا من المضار البدنية وأنها تعم الإنسان وغيره مما ليس بصدد الاستعاذة، ثم جعل عمومها مدار إضافة الرب إلى الفلق بالمعنى العام وهو كما ترى. نعم الذي يتبادر إلى الذهن أن عمومه لشرور الدنيا وقال بعض الأفاضل: هو عام لكل شر في الدنيا والآخرة وشر الإنس والجن والشياطين وشر السباع والهوام وشر النار وشر الذنوب والهوى وشر النفس وشر العمل، وظاهره تعميم ما خلق بحيث يشمل نفس المستعيذ ولا يأبى ذلك نزول السورة ليستعيذ بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وجوز بعضهم جعل ما مصدرية مع تأويل المصدر باسم المفعول وهو تكلف مستغنى عنه، وإضافة الشر إلى ما خَلَقَ قيل لاختصاصه بعالم الخلق المؤسس على امتزاج المواد المتباينة المستتبعة للكون والفساد وأما عالم الأمر الذي أوجد بمجرد أمر كن من غير مادة فهو خير محض منزه عن شوائب الشر بالمرة، والظاهر أنه عنى بعالم الأمر عالم المجردات وهم الملائكة عليهم السلام. وأورد عليه بعد غض الطرف عن عدم ورود ذلك في لسان الشرع أن منهم من يصدر منه شر كخسف البلاد وتعذيب العباد وأجيب بأن ذلك بأمره تعالى فلم يصدر إلّا لامتثال الأمر لا لقصد الشر من حيث هو شر فلا إيراد نعم يرد أن كونهم مجردين خلاف المختار الذي عليه سلف الأمة ومن تبعهم، بل هم أجسام لطيفة نورية ولو سلم تجردهم قلنا بعدم حصر المجردات فيهم كيف وقد قال كثير بتجرد الجن فقالوا: إنها ليست أجساما ولا حالة فيها بل هي جواهر مجردة قائمة بأنفسها مختلفة بالماهية بعضها خيرة وبعضها شريرة وبعضها كريمة حرة محبة للخيرات وبعضها دنية خسيسة محبة للشرور والآفات، وبالجملة ما خلق أعم من المجرد على القول به وغيره والكل مخلوق له تعالى أي موجد بالاختيار بعد العدم إلّا أن المراد الاستعاذة مما فيه شر من ذلك. وقرأ عمرو بن فائد على ما في البحر «من شر» بالتنوين وقال ابن عطية: هي قراءة عمرو بن عبيد وبعض المعتزلة القائلين بأن الله تعالى لم

<<  <  ج: ص:  >  >>