للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من القصور في توفية المقام حقه بأن شر الموسوس كما يلحق النفوس يلحق الأبدان أيضا وفيه شيء سنشير إن شاء الله تعالى إليه. واختار هذا الباحث في ذلك أنه لما كانت الاستعاذة فيما سبق من شر كل شيء أضيف الرب إلى كل شيء أي بناء على عموم الفلق، ولما كانت هنا من شر الوسواس لم يضف إلى كل شيء وكان النظر إلى السورة السابقة يقتضي الإضافة إلى الوسواس لكنه لم يضف إليه حطا لدرجته عن إضافة الرب إليه بل إلى المستعيذ، وكان في هذا الحط رمزا إلى الوعد بالإعاذة وهو الذي يجعل لما ذكر حظا في أداء حق المقام.، وربما يقال إن في إضافة الرب إلى الناس في آخر سورة من كتابه تذكير الأول أمر عرفوه في عالم الذر وأخذ عليهم العهد بالإقرار به فيما بعد كما أشار إليه قوله تعالى وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى [الأعراف: ١٧٢] الآية فيكون في ذلك تحريض على الاستعاذة من شر الوسواس لئلا يتدنس أمر ذلك العهد، وفيه أيضا رمز إلى الوعد الكريم بالإعاذة.

وذكر القاضي أن في النظم الجليل إشعارا بمراتب الناظر المتوجه لمعرفة خالقه فإنه يعلم أولا بما يرى عليه من النعم الظاهرة والباطنة أن له ربا ثم يتغلغل في النظر حتى يتحقق أنه سبحانه غني عن الكل وذات كل شيء له ومصارف أمره منه فهو الملك الحق، ثم يستدل به على أنه المستحق للعبادة لا غير. ويندرج في وجوه الاستعاذة المعتادة تنزيلا لاختلاف الصفات منزلة اختلاف الذات فإن عادة من ألم به هم أن يرفع أمره لسيده ومربيه كوالديه فإن لم يقدر على رفعه رفعه لملكه وسلطانه فإن لم يزل ظلامته شكاه إلى ملك الملوك ومن إليه المشتكى والمفزع، وفي ذلك إشارة إلى عظم الآفة المستعاذ منها. ولابن سينا هاهنا كلام تتحرج منه الأقلام كما لا يخفى على من ألم به وكان له بالشريعة المطهرة أدنى إلمام. وتكرير المضاف إليه لمزيد الكشف والتقرير والتشريف بالإضافة وقيل لا تكرار فإنه يجوز أن يراد بالعام بعض أفراده فالناس الأول بمعنى الأجنة والأطفال المحتاجين للتربية، والثاني الكهول والشبان لأنهم المحتاجون لمن يسوسهم، والثالث الشيوخ المتعبدون المتوجهون لله تعالى وهو على ما فيه يبعده حديث إعادة الشيء معرفة وإن كان أغلبيا. والوسواس عند الزمخشري اسم مصدر بمعنى الوسوسة والمصدر بالكسر وهو صوت الحلي والخمس الخفي، ثم استعمل في الخطرة الردية وأريد به هاهنا الشيطان، سمي بفعله مبالغة كأنه نفس الوسوسة أو الكلام على حذف مضاف أي ذي الوسواس. وقال بعض أئمة العربية: إن فعلل ضربان صحيح كدحرج وثنائي مكرر كصلصل ولهما مصدران مطردان فعللة وفعلال بالكسر وهو أقيس، والفتح شاذ لكنه كثر في المكرر كتمتام وفأفأة، ويكون للمبالغة كفعال في الثلاثي كما قالوا وطواط للضعيف وثرثار للمكثر، والحق أنه صفة فليحمل عليه ما في الآية الكريمة من غير حاجة إلى التجوز أو حذف المضاف. وقد تقدم في سورة الزلزال ما يتعلق بهذا المبحث فتذكر فما في العهد من قدم والظاهر أن المراد الاستعاذة من شر الوسواس من حيث هو وسواس، ومآله إلى الاستعاذة من شر وسوسته وقيل المراد الاستعاذة من جميع شروره ولذا قيل من شر الوسواس ولم يقل من وسوسة الوسواس قيل: وعليه يكون القول بأن شره يلحق البدن كما يلحق النفس أظهر منه على الظاهر وعد من شره أنه كما في صحيح البخاري يعقد على قافية رأس العبد إذ هو نام ثلاث عقد مراده بذلك منعه من اليقظة وفي عد هذا من الشر البدني خفاء، وبعضهم عد منه التخبط إذا لحق عند أهل السنة أنه قد يكون من مسه كما تقدم في موضعه.

وقوله تعالى الْخَنَّاسِ صيغة مبالغة أو نسبة أي الذي عادته أن يخنس ويتأخر إذا ذكر الإنسان ربه عز

<<  <  ج: ص:  >  >>