للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي فيها فهو جر بحرف وبإضافة وبتبعية على المشهور، وأما سابعا ففي الأسماء الحسنى التي ذبحتها فهي الله والرحمن والرحيم، وأما ثامنا ففي العاملية والمعمولية فكلمة عاملة غير معمولة ومعمولة غير عاملة وعاملة معمولة. وأما تاسعا ففي الاتصال والانفصال فمتصل بما بعده فقط وبما قبله فقط وبما بعده وقبله، وفي كل واحد من هذه الثلاثيات أسرار تحير الأفكار وتبهر أولي الأبصار وانظر لم اشتملت حروفها على الطبائع الأربع وتقدم في الظهور الهواء (١) ولم كانت تسعة عشر، ولم اعتنق اللام الألف واتصلت الميم باللام والهاء بالراء والنون بها نطقا لا خطا ولم فتح ما قبل الألف حتى لم يتغير في موضع أصلا؟ وتفكر في سر تربيع الألفاظ وسكون السين وتحرك الميم ونقطتي الياء ونقطة النون والباء، والأمر وراء ما يظنه أرباب الرسوم ونهاية ما ذكروه البحث عن المدلولات وتوسيع دائرة المقال بإبداء الاحتمالات، وقد صرح السرميني بإبداء خمسة آلاف ألف وثلاثمائة ألف وأحد وتسعين ألفا وثلاثمائة وستين احتمالا وزدت عليه من فضل الله تعالى حين سئلت عن ذلك بما يقرب أن يكون بمقدار ضرب هذا العدد بنفسه والدائرة أوسع إلا أن الواقع البعض، ولقد خلوت ليلة بليلى هذه الكلمة وأوقدت مصباح ذلي في مشكاة حضرتها المكرمة وفرشت لها سري وضممتها سحرا إلى سحري ونحري.

فكان ما كان مما لست أذكره ... فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر

وأما الوجه الثاني فلتعليم العبادة إذا بدؤوا بأمر كيف يبدؤون به ولهذا

قال صلى الله تعالى عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة وأخرجه الحافظ عبد القادر الرهاوي «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر»

والبال الحال والشأن فمعنى ذي بال شريف يحتفل به ويهتم كأنه شغل القلب وملكه حتى صار صاحبه، وقيل شبه الأمر العظيم بذي قلب على سبيل الاستعارة المكنية والتخييلية، وفي هذا الوصف فائدتان إحداهما رعاية تعظيم اسم الله تعالى لأن يبتدىء به في الأمور المعتد بها. والأخرى التيسير على الناس في محقرات الأمور كذا قالوه، وعندي أن الأظهر جعل الوصف للتعميم كما في قوله تعالى: وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ [الأنعام: ٣٨] أي كل أمر يخطر بالبال جليلا كان أو حقيرا لا يبدأ به إلخ. وفي هذا غاية الإظهار لعظمة الله تعالى وحث على التبري عن الحول والقوة إلا بالله. وإشارة إلى أن قدر العباد غير مستقلة في الأفعال فحمل تبنة كحمل جبل إن لم يعن الله الملك المتعال وقد أمر سبحانه وتعالى بالإكثار من ذكره فقال تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً [البقرة: ٢٠٠] وحيث لم يجب ذلك كما هو معلوم يحصل للناس تيسير، وقد سن صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بعض الأشياء ونفى الحرج بنفي وجوبها وفي

قوله عليه الصلاة والسلام «ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شثع نعله»

وما

روي «أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام يا موسى سلني حتى ملح قدرك وشراك نعلك»

ما يدفع عنك توهم عدم رعاية التعظيم في ذكره تعالى عند محقرات الأمور وأي فرق عند المنصف بين ذكره سبحانه عندها وطلبها منه. على أن العارف الجليل لا يقع بصره على شيء حقير ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ [الملك: ٣، ٤] نعم التسمية على الحرام والمكروه مما لا ينبغي بل هي حرام في الحرام لا كفر على الصحيح مكروهة في المكروه وقيل مكروهة فيهما إن لم يقصد استخفافا وإن قصده- والعياذ بالله


(١) قال الشيخ الأكبر قدس سره:
وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى ... لولا الهوى في الكون ما عبد الهوى
اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>