إنها جائزة في الأقوال كلها عند الضرورة وربما وجبت فيها الضرب من اللطف والاستصلاح ولا تجوز في الأفعال كقتل المؤمن ولا فيما يعلم أو يغلب على الظن أنه إفساد في الدين وقال المفيد: إنها قد تجب أحيانا وقد يكون فعلها في وقت أفضل من تركها وقد يكون تركها أفضل من فعلها، وقال أبو جعفر الطوسي: إن ظاهر الروايات يدل على أنها واجبة عند الخوف على النفس، وقال غيره: إنها واجبة عند الخوف على المال أيضا ومستحبة لصيانة العرض حتى يسن لمن اجتمع مع أهل السنة أن يوافقهم في صلاتهم وصيامهم وسائر ما يدينون به، ورووا عن بعض أئمة أهل البيت من صلى وراء سني تقية فكأنما صلى وراء نبي، وفي وجوب قضاء تلك الصلاة عندهم خلاف، وكذا في وجوب قضاء الصوم على من أفطر تقية حيث لا يحل الإفطار قولان أيضا، وفي أفضلية التقية من سني واحد- صيانة لمذهب الشيعة عن الطعن- خلاف أيضا، وأفتى كثير منهم بالأفضلية. ومنهم من ذهب إلى جواز- بل وجوب- إظهار الكفر لأدنى مخافة أو طمع، وأفتى كثير منهم بالأفضلية. ومنهم من ذهب إلى جواز- بل وجوب- إظهار الكفر لأدنى مخافة أو طمع، ولا يخفى أنه من الإفراط بمكان، وحملوا أكثر أفعال الأئمة مما يوافق مذهب أهل السنة ويقوم به الدليل على رد مذهب الشيعة على التقية وجعلوا هذا أصلا أصيلا عندهم وأسسوا عليه دينهم- وهو الشائع الآن فيما بينهم- حتى نسبوا ذلك للأنبياء عليهم السلام وجل غرضهم من ذلك إبطال خلافة الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم ويأبى الله تعالى ذلك.
ففي كتبهم ما يبطل كون أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه وبنيه رضي الله تعالى عنهم ذوي تقية بل ويبطل أيضا فضلها الذي زعموه
ففي كتاب نهج البلاغة الذي هو أصح الكتب- بعد كتاب الله تعالى- في زعمهم أن الأمير كرم الله تعالى وجهه قال: علامة الإيمان إيثارك الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك،
وأين هذا من تفسيرهم قوله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات: ١٣] بأكثركم تقية؟
وفيه أيضا أنه كرم الله تعالى وجهه قال: إني والله لو لقيتهم واحدا وهم طلاع الأرض كلها ما باليت ولا استوحشت وإني من ضلالتهم التي هم فيها والهدى الذي أنا عليه لعلى بصيرة من نفسي ويقين من ربي وإلى لقاء الله تعالى وحسن ثوابه لمنتظر راج.
وفي هذا دلالة على أن الأمير لم يخف وهو منفرد من حرب الأعداء وهم جموع، ومثله لا يتصور أن يتأتى فيما فيه هدم الدين،
وروى العياشي عن زرارة بن أعين عن أبي بكر بن حزم أنه قال: توضأ رجل ومسح على خفيه فدخل المسجد فجاء علي كرم الله تعالى وجهه فوجأ على رقبته فقال: ويلك تصلي وأنت على غير وضوء فقال: أمرني عمر فأخذ بيده فانتهى إليه ثم قال: انظر ما يقول هذا عنك ورفع صوته على عمر رضي الله تعالى عنه فقال عمر: أنا أمرته بذلك فانظر كيف رفع الصوت وأنكر ولم يتأق.
وروى الراوندي شارح نهج البلاغة ومعتقد الشيعة عن سلمان الفارسي أن عليا بلغه عن عمر أنه ذكر شيعته فاستقبله في بعض طرقات بساتين المدينة وفي يد عليّ قوس فقال: يا عمر بلغني عنك ذكرك لشيعتي فقال: أربع على صلعتك فقال عليّ: إنك هاهنا ثم رمى بالقوس على الأرض فإذا هي ثعبان كالبعير فاغرا فاه وقد أقبل نحو عمر ليبتلعه فقال عمر: الله الله تعالى يا أبا الحسن لا عدت بعدها في شيء فجعل يتضرع فضرب بيده على الثعبان فعادت القوس كما كانت فمضى عمر إلى بيته قال سلمان: فلما كان الليل دعاني عليّ فقال: سر إلى عمر فإنه حمل إليه مال من ناحية المشرق وقد عزم أن يخبئه فقل له يقول لك علي: أخرج ما حمل إليك من المشرق ففرقه على من هو لهم ولا تخبه فأفضحك. قال سلمان: فمضيت إليه وأديت الرسالة فقال: أخبرني عن أمر صاحبك من أين علم به؟ فقلت وهل يخفى عليه مثل هذا؟ فقال: يا سلمان أقبل عني ما أقول لك ما عليّ إلا ساحر وإني لمستقين بك والصواب أن تفارقه