للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علمين إذ القاعدة أنه متى وقع كذلك لم تكتب همزته بل تحذف في الخط تبعا لحذفها في اللفظ لكثرة استعماله كذلك ومتى تقدمه علم لكن أضيف إلى غير علم- كزيد ابن السلطان- أو تقدمه غير علم، وأضيف إلى علم- كالسلطان ابن زيد- أو وقع بين ما ليسا علمين- كزيد العاقل ابن الأمير عمرو- كتبت الألف ولم تحذف في الخط في جميع تلك الصور، والكتاب كثيرا ما يخطئون في ذلك فيحذفون الهمزة منه في الكتابة أينما وقع، وقد نص على خطئهم في ذلك ابن قتيبة. وغيره.

ومن هنا قيل: إن الرسم يرجح التبعية، نعم في كون ذلك مطردا فيما إذا كان المضاف إليه علم الأم خلاف، والذي أختاره الحذف أيضا إذا كان ذلك مشهورا وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ الوجيه ذو الجاه. والشرف. والقدر.

وقيل: الكريم على من يسأله فلا يرد لكرم وجهه عنده خلاف من يبذل وجهه للمسألة فيرد، ووجاهته في الدنيا بالنبوة والتقدم على الناس، وفي الآخرة بقبول شفاعته وعلو درجته، وقيل: وجاهته في الدنيا بقبول دعائه بإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وقيل: بسبب أنه كان مبرءا من العيوب التي افتراها اليهود عليه، وفي الآخرة ما تقدم وليست الوجاهة بمعنى الهيئة والبزة ليقال: كيف كان- وجيها- في الدنيا مع أن اليهود قاتلهم الله عاملوه بما عاملوه على أنه لو كان المعنى على ذلك لا تقدح تلك المعاملة فيه كما لا تقدح على التقادير الأول كما لا يخفى على المتأمل، ونصب وَجِيهاً على أنه حال مقدرة من كلمة وسوغ مجيء الحال منها مع أنها نكرة وصفها بما بعدها والتذكير باعتبار المعنى- كما أشير إليه- وجعلت الحال مقدرة لأن الوجاهة كانت بعد البشارة.

ومن الناس من جعل الحال من عِيسَى وقال أبو البقاء: لا يجوز ذلك وكذا لا يجوز جعله حالا من الْمَسِيحُ أو من ابْنُ مَرْيَمَ لأنها أخبار، والعامل فيها الابتداء، أو المبتدأ أو هما وليس شيء من ذلك يعمل في الحال، وكذا لا يجوز أيضا أن يكون حالا من الهاء في اسمه للفصل الواقع بينهما ولعدم العامل في الحال، والظرف متعلق بما عنده لما فيه من معنى الفعل وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ أي عند الله يوم القيامة قاله قتادة، وقيل: هو إشارة إلى رفعه إلى السماء وصحبته الملائكة، وقيل: من المقربين من الناس بالقبول، والإجابة وهو معطوف على وَجِيهاً أي ومقربا من جملة المقربين وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا عطف على الحال الأولى أيضا وعطف الفعل على الاسم لتأويله به سائغ شائع- وهو في القرآن كثير- والظرف حال من الضمير المستكن في الفعل ولم يجعل ظرفا لغوا متعلقا به مع صحته لعطف وَكَهْلًا عليه، والمراد يكلمهم حال كونه طفلا وكهلا، والمقصود التسوية بين الكلام في حال الطفولية وحال الكهولة، وإلا فالكلام في الثاني ليس مما يختص به عليه السلام وليس فيه غرابة، وعلى هذا فالمجموع حال لا كل على الاستقلال، وقيل: إن كلا منهما حال، والثاني تبشير ببلوغ سن الكهولة وتحديد لعمره، والْمَهْدِ مقر الصبي في رضاعه وأصله مصدر سمي به وكان كلامه فِي الْمَهْدِ ساعة واحدة بما قص الله تعالى لنا، ثم لم يتكلم حتى بلغ أو إن الكلام قاله ابن عباس، وقيل: كان يتكلم دائما وكان كلامه فيه تأسيسا لنبوته وإرهاصا لها على ما ذهب إليه ابن الأخشيد وعليه يكون قوله: وَجَعَلَنِي نَبِيًّا [مريم: ٣٠] إخبارا عما يؤول إليه، وقال الجبائي: إنه سبحانه أكمل عقله عليه السلام إذ ذاك وأوحى إليه بما تكلم به مقرونا بالنبوة، وجوز أيضا أن يكون ذلك كرامة لمريم دالة على طهارتها وبراءة ساحتها مما نسبه أهل الإفك إليها، والقول: بأنه معجزة لها بعيد- وإن قلنا بنبوتها- وزعمت النصارى أنه عليه السلام لم يتكلم فِي الْمَهْدِ ولم ينطق ببراءة أمه صغيرا بل أقام ثلاثين سنة واليهود تقذف أمه بيوسف النجار- وهذا من أكبر فضائحهم الصادحة برد ما هم عليه من دعوى الألوهية له عليه السلام- وكذا تنقله في الأطوار المختلفة المتنافية لأن من هذا شأنه بمعزل عن الألوهية، واعترضوا بأن كلامه في المهد من أعجب

<<  <  ج: ص:  >  >>