مصدر بمعنى الكتابة أي يعلمه الخط باليد- قاله ابن عباس وإليه ذهب ابن جريج،
وروي عنه أنه قال: أعطى الله تعالى عيسى عليه السلام تسعة أجزاء من الخط وأعطى سائر الناس جزءا واحدا،
وذهب أبو علي الجبائي إلى أن المراد بعض الكتب التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه عليهم السلام سوى التوراة والإنجيل مثل الزبور وغيره، وذهب كثيرون إلى أن- أل- فيه للجنس والمراد جنس الكتب الإلهية إلا أن المأثور هو الأول، والقول- بأن المراد بالكتاب الجنس لكن في ضمن فردين هما التوراة والإنجيل، وتجعل الواو فيما بعد زائدة مقحمة وما بعدها بدلا أو عطف بيان- من الهذيان بمكان.
وقرأ أهل المدينة، وعاصم، ويعقوب، وسهل- ويعلمه- بالياء، والباقون بالنون قيل: وعلى ذلك لا يحسن بعض تلك الوجوه إلا بتقدير القول أي إن الله- يبشرك بعيسى- ويقول: يُعَلِّمُهُ أو وجيها ومقولا فيه نعلمه الكتاب وَالْحِكْمَةَ أي الفقه وعلم الحلال والحرام- قال ابن عباس- وقيل: جميع ما علمه من أمور الدين، وقيل: سنن الأنبياء عليهم السلام، وقيل: الصواب في القول والعمل، وقيل: إتقان العلوم العقلية، وقد تقدم الكلام على ذلك وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ أفردا بالذكر على تقدير أن يراد بالكتاب ما يشملهما لوفور فضلهما وسمو شأوهما على غيرهما، وتعليمه ذلك قيل: بالإلهام، وقيل: بالوحي، وقيل: بالتوفيق والهداية للتعلم، وقد صح أنه عليه السلام لما رعرع- وفي رواية الضحاك عن ابن عباس- لما بلغ سبع سنين أسلمته أمه إلى المعلم لكن الروايات متضافرة أنه جعل يسأل المعلم كلما ذكر له شيئا عما هو بمعزل عن أن ينبض فيه ببنت شفة، وذلك يؤيد أن علمه محض موهبة إلهية وعطية ربانية، وذكر- الإنجيل- لكونه كان معلوما عند الأنبياء والعلماء متحققا لديهم أنه سينزل وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ منصوب بمضمر يجر إليه المعنى معطوفا على نعلمه أي ونجعله رسولا- وهو الذي اختاره أبو حيان- وقيل: إنه منصوب بمضمر معمول لقول مضمر معطوف على- يعلمه- أي ويقول عيسى أرسلت رسولا، ولا يخفى أن عطف هذا القول على يُعَلِّمُهُ إذا كان مستأنفا مما ليس فيه كثير بأس، وأما على تقدير عطفه على يُبَشِّرُكِ أو يَخْلُقُ فقد طعن فيه العلامة التفتازاني بأنه يكون التقدير- إن الله يبشرك- أو إن الله يخلق ما يشاء- ويقول عيسى كذا، وفيه العطف على الخبر ولا رابط بينهما إلا بتكلف عظيم، وفي البحر: إن هذا الوجه مطلقا ضعيف إذ فيه إضمار شيئين القول ومعموله، والاستغناء عنهما باسم منصوب على الحال المؤكدة، واختار بعضهم عطفه على الأحوال المتقدمة مضمنا معنى النطق فلا يضر كونها في حكم الغيبة مع كون هذا في حكم التكلم إذ يكون المعنى حال كونه- وجيها- وَرَسُولًا ناطقا بكذا، والرسول على سائر التقادير صفة كشكور وصبور، وفعول هنا بمعنى مفعل، واحتمال- أن يكون مصدرا كما قال أبو البقاء مثله في قول الشاعر: أبلغ أبا سلمى رَسُولًا تروعه ويجعل معطوفا فاعلي الْكِتابَ أي ويعلمه رسالة- بعيد لفظا ومعنى، أما الأول فلأن المتبادر الوصفية لا المصدرية، وأما ثانيا فلأن تعليم الرسالة مما لا يكاد يوجد في كلامهم، والظرف إما متعلق- برسولا- أو بمحذوف وقع صفة له أي- رسولا كائنا إلى بني إسرائيل أي كلهم، قيل: وتخصيصهم بالذكر للإيذان بخصوص بعثته، أو للرد على من زعم من اليهود أنه مبعوث إلى غيرهم.
ولي في نسبة هذا الزعم لبعض اليهود تردد- وليس ذلك في الكتب المشهورة- والذي رأيناه فيها أنهم في عيسى الذي قص الله تعالى علينا من أمره ما قص فرقتان: فرقة ترميه- وحاشاه بأفظع ما رمت به أمة نبيها- وهم أكثر اليهود، وفرقة يقال لهم العنانية أصحاب عنان بن داود رأس الجالوت يصدقونه في مواعظه وإشاراته ويقولون: إنه لم يخالف التوراة البتة بل قررها ودعا الناس إليها، وإنه من المستجيبين لموسى عليه السلام، ومن بني إسرائيل المتعبدين