للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه السلام لأنه المحدث عنه وصاحب القصة، وقيل: الضمير للحق المتقدم لقربه وعدم بعد المعنى مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ أي الآيات الموجبة للعلم، وإطلاق العلم عليها إما حقيقية لأنها كما قيل: نوع منه، وإما مجاز مرسل، والقرينة عليه ذكر المحاجة المقتضية للأدلة، والجار والمجرور الأخير حال من فاعل جاءَكَ الراجع إلى ما الموصولة، ومِنْ من ذلك تبعيضية، وقيل: لبيان الجنس فَقُلْ أي لمن حاجّك- تَعالَوْا أي أقبلوا بالرأي والعزيمة، وأصله طلب الإقبال إلى مكان مرتفع، ثم توسع فيه فاستعمل في مجرد طلب المجيء نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ أي يدع كل منا ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه للمباهلة، وفي تقديم من قدم على النفس في المباهلة مع أنها من مظان التلف والرجل يخاطر لهم بنفسه إيذانا بكمال أمنه صلى الله تعالى عليه وسلم وكمال يقينه في إحاطة حفظ الله تعالى بهم، ولذلك- مع رعاية الأصل في الصيغة فإن غير المتكلم تبع له في الاسناد- قدم صلى الله تعالى عليه وسلم جانبه على جانب المخاطبين ثُمَّ نَبْتَهِلْ أي نتباهل، فالافتعال هنا بمعنى المفاعلة، وافتعل وتفاعل أخوان في كثير من المواضع- كاشتور وتشاور، واجتور وتجاور. والأصل في البهلة- بالضم، والفتح فيه- كما قيل- اللعنة، والدعاء بها، ثم شاعت في مطلق الدعاء كما يقال: فلان يبتهل إلى الله تعالى في حاجته، وقال الراغب: بهل الشيء والبعير إهماله وتخليته ثم استعمل في الاسترسال في الدعاء سواء كان لعنا أو لا إلا أنه هنا يفسر باللعن لأنه المراد الواقع كما يشير إليه قوله تعالى: فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ أي في أمر عيسى عليه السلام فإنه معطوف على نبتهل مفسر للمراد منه أي نقول لعنة الله على الكاذبين، أو اللهم العن الكاذبين.

أخرج البخاري، ومسلم «أن العاقب والسيد أتيا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأراد أن يلاعنهما فقال أحدهما لصاحبه: لا تلاعنه فو الله لئن كان نبيا فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا فقالوا له: نعطيك ما سألت فابعث معنا رجلا أمينا فقال: قم يا أبا عبيدة فلما قام قال هذا أمين هذه الأمة،

وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق عطاء، والضحاك عن ابن عباس «أن ثمانية من أساقفة أهل نجران قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم منهم العاقب، والسيد فأنزل الله تعالى فَقُلْ تَعالَوْا الآية فقالوا: أخرنا ثلاثة أيام فذهبوا إلى بني قريظة، والنضير، وبني قينقاع فاستشاروهم فأشاروا عليهم أن يصالحوه ولا يلاعنوه، وقالوا: هو النبي الذي نجده في التوراة فصالحوا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على ألف حلة في صفر وألف في رجب ودراهم» وروي أنهم صالحوه على أن يعطوه في كل عام ألفي حلة وثلاثا وثلاثين درعا وثلاثة وثلاثين بعيرا وأربعا وثلاثين فرسا.

وأخرج في الدلائل أيضا من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس «أن وفد نجران من النصارى قدموا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم منهم السيد- وهو الكبير- والعاقب- وهو الذي يكون بعده وصاحب رأيهم- فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أسلما قالا: أسلمنا قال: ما أسلمتما قالا: بلى قد أسلمنا قبلك قال: كذبتما يمنعكما من الإسلام ثلاث فيكما، عبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير، وزعمكما أن لله ولدا، ونزل إِنَّ مَثَلَ عِيسى الآية فلما قرأها عليهم قالوا: ما نعرف ما تقول، ونزل فَمَنْ حَاجَّكَ الآية فقال لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إن الله تعالى قد أمرني إن لم تقبلوا هذا أن أباهلكم فقالوا: يا أبا القاسم بل نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك فخلا بعضهم ببعض وتصادقوا فيما بينهم قال السيد للعاقب: قد والله علمتم أن الرجل نبي مرسل ولئن لاعنتموه أنه لاستئصالكم وما لاعن قوم نبيا قط فبقي كبيرهم ولا نبث صغيرهم فإن أنتم لن تتبعوه وأبيتم إلا إلف دينكم فوادعوه وارجعوا إلى بلادكم وقد كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خرج ومعه

<<  <  ج: ص:  >  >>