أحدها أن المراد تحريفهم التوراة والإنجيل- قاله الحسن. وابن زيد- وثانيها أن المراد إظهارهم الإسلام وإبطانهم النفاق- قاله ابن عباس. وقتادة- وثالثها أن المراد الإيمان بموسى، وعيسى، والكفر بمحمد عليهم الصلاة والسلام، ورابعها أن المراد ما يعلمونه في قلوبهم من حقية رسالته صلى الله تعالى عليه وسلم وما يظهرونه من تكذيبه، عن أبي علي، وأبي مسلم، وقرئ تَلْبِسُونَ بالتشديد وهو بمعنى المخفف، وقرأ يحيى بن وثاب تَلْبِسُونَ وهو من لبست الثوب، والباء بمعنى مع، والمراد من اللبس الاتصاف بالشيء، والتلبس به وقد جاء ذلك فيما رواه البخاري في الصحيح عن عائشة «أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور» وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ أي نبوة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وما وجدتموه في كتبكم من نعته والبشارة به وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنه حق، وقيل:
تعلمون الأمور التي يصح بها التكليف وليس بشيء.
وَقالَتْ طائِفَةٌ أي جماعة وسميت بها لأنه يسوى بها حلقة يطاف حولها مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أي اليهود لبعضهم آمِنُوا أي أظهروا الإيمان بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وهم أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وقيل: النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه وَجْهَ النَّهارِ أي أوله كما في قول الربيع بن زياد:
من كان مسرورا بمقتل مالك ... فليأت نسوتنا «بوجه نهار»
وسمي وجها لأنه أول ما يواجهك منه، وقيل: لأنه كالوجه في أنه أعلاه وأشرف ما فيه وذكر الثعالبي أنه في ذلك استعارة معروفة وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ بسبب هذا الفعل عن اعتقادهم حقية ما أنزل عليهم- قال الحسن، والسدي- تواطأ اثنا عشر رجلا من أحبار يهود خيبر، وقرى عرينة، وقال بعضهم لبعض: ادخلوا في دين محمد- أول النهار- باللسان دون الاعتقاد- واكتفروا آخر النهار- وقولوا إنا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا فوجدنا محمدا ليس بذاك وظهر لنا كذبه وبطلان دينه فإذا فعلتم ذلك شك أصحابه في دينهم فقالوا: إنهم أهل الكتاب وهم أعلم به فيرجعون عن دينهم إلى دينكم، وقال مجاهد، ومقاتل، والكلبي: كان هذا في شأن القبلة لما حولت إلى الكعبة شق ذلك على اليهود فقال كعب بن الأشرف لأصحابه آمنوا بالذي أنزل على محمد من أمر الكعبة وصلوا إليها أول النهار وارجعوا إلى قبلتكم آخره لعلهم يشكون، والتعبير بما أنزل بناء على ما يقوله المؤمنون وإلا فهم يكذبون ولا يصدقون أن الله تعالى أنزل شيئا على المؤمنين، وظاهر الآية، يدل على وقوع أمر بعضهم لبعض أن يقولوا ذلك. وأما امتثال الأمر من المأمور فمسكوت عن بيان وقوعه وعدمه، وعن بعضهم أن في الأخبار ما يدل على وقوعه.
وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ في نظم الآية ومعناها أوجه لخصها الشهاب من كلام بعض المحققين، أحدها أن التقدير وَلا تُؤْمِنُوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم وهم المسلمون أوتوا كتابا سماويا كالتوراة ونبيا مرسلا كموسى- وبأن يحاجوكم- ويغلبوكم بالحجة يوم القيامة إلا لاتباعكم، وحاصله أنهم نهوهم عن إظهار هذين الأمرين المسلمين لئلا يزدادوا تصلبا ولمشركي العرب لئلا يبعثهم على الإسلام وأتى- بأو- على وزان وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً [الإنسان: ٢٤] وهو أبلغ.
والحمل على معنى حتى صحيح مرجوح، وأتى بقوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ معترضا بين الفعل ومتعلقه، وفائدة الاعتراض الإشارة إلى أن كيدهم غير ضار لمن لطف الله تعالى به بالدخول في الإسلام أو زيادة التصلب فيه.
ويفيد أيضا أن الهدى هداه فهو الذي يتولى ظهوره يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ [الصف: