للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه معنى متوعر، وليس بشيء، ومثله ما قاله قوم من أن أَنْ يُؤْتى إلخ تفسير للهدى، وأن المؤتى هو الشرع وأن أَوْ يُحاجُّوكُمْ عطف على أوتيتم، وأن ما يحاج به العقل وأن تقدير الكلام أن هدى الله تعالى ما شرع أو ما عهد به في العقل، ومن الناس من جعل الكلام من أول الآية إلى آخرها من الله تعالى خطابا للمؤمنين قال: والتقدير ولا تؤمنوا أيها المؤمنون إلا لمن تبع دينكم وهو دين الإسلام ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الدين فلا نبي بعد نبيكم عليه الصلاة والسلام ولا شريعة بعد شريعتكم إلى يوم القيامة ولا تصدقوا بأن يكون لأحد حجة عليكم عند ربكم لأن دينكم خير الأديان، وجعل قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ اعتراضا للتأكيد وتعجيل المسرة- ولا يخفى ما فيه- واختيار البعض له والاستدلال عليه بما قاله الضحاك- إن اليهود قالوا: إنا نحج عند ربنا من خالفنا في ديننا فبين الله تعالى لهم أنهم هم المدحضون المغلوبون وأن المؤمنين هم الغالبون- ليس بشيء لأن هذا البيان لا يتعين فيه هذا الجمل كما لا يخفى على ذي قلب سليم، والضمير المرفوع من يحاجوكم على كل تقدير عائد إلى أحد لأنه في معنى الجمع إذا المراد به غير أتباعهم.

واستشكل ابن المنير قطع أَنْ يُؤْتى عن لا تُؤْمِنُوا على ما في بعض الأوجه السابقة بأنه يلزم وقوع أحد في الواجب لأن الاستفهام هنا إنكار، واستفهام الإنكار في مثله إثبات إذ حاصله أنه أنكر عليهم ووبخهم على ما وقع منهم وهو إخفاء الإيمان بأن النبوة لا تخص بني إسرائيل لأجل العلتين المذكورتين فهو إثبات محقق، ثم قال: ويمكن أن يقال: روعيت صيغة الاستفهام وإن لم يكن المراد حقيقته فحسن دخول أحد في سياقه لذلك- وفيه تأمل- فتأمل وتدبر، فقد قال الواحدي: إن هذه الآية من مشكلات القرآن وأصعبه تفسيرا قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ رد وإبطال لما زعموه بأوضح حجة، والمراد من الفضل الإسلام- قاله ابن جريج- وقال غيره: النبوة وقيل: الحجج التي أوتيها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والمؤمنون، وقيل: نعم الدين والدنيا ويدخل فيه ما يناسب المقام دخولا أوليا يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ أي من عباده وَاللَّهُ واسِعٌ رحمة، وقيل: واسع القدرة يفعل ما يشاء عَلِيمٌ بمصالح العبادة، وقيل: يعلم حيث يجعل رسالته يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ قال الحسن: هي النبوة، وقال ابن جريج: الإسلام والقرآن، وقال ابن عباس هو وكثرة الذكر لله تعالى، والباء داخلة على المقصور وتدخل على المقصور عليه وقد نظم ذلك بعضهم فقال:

والباء بعد الاختصاص يكثر ... دخولها على الذي قد قصروا

وعكسه مستعمل وجيد ... ذكره الحبر الإمام السيد

وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ قال ابن جبير: يعني الوافر.

وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ شروع في بيان نوع آخر من معايبهم، وتَأْمَنْهُ من أمنته بمعنى ائتمنته والباء، قيل: بمعنى على، وقيل: بمعنى في أي في حفظ قنطار والقنطار تقدم- قنطار من الكلام فيه- يروى أن عبد الله بن سلام استودعه قرشي ألفا ومائتي أوقية ذهبا فأداه إليه.

وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ كفنحاص بن عازوراء فإنه يروى أنه استودعه قرشي آخر دينارا فجحده، وقيل: المأمون على الكثير النصارى إذ الغالب فيهم الأمانة، والخائنون في القليل اليهود إذ الغالب عليهم الخيانة. وروي هذا عن عكرمة، والدينار- لفظ أعجمي وياؤه بدل عن نون وأصله دنار فأبدل أول المثلين ياء لوقوعه بعد كسرة، ويدل على الأصل جمعه على دنانير فإن الجمع يردّ الشيء إلى أصله، وهو في المشهور أربعة وعشرون قيراطا والقيراط ثلاث حبات من وسط الشعير فمجموعه اثنتان وسبعون حبة قالوا: ولم يختلف جاهلية ولا إسلاما، ومن الغريب ما أخرجه ابن أبي حاتم عن مالك بن دينار أنه قال: إنما سمي الدينار دينارا لأنه- دين ونار- ومعناه أن من

<<  <  ج: ص:  >  >>