عوده في بعضها على الله تعالى، وجوز الأمران أيضا في قوله تعالى: أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ والاستفهام فيه للإنكار وكون مرجع الضمير في أحد الاحتمالين نكرة يجعله عاما بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ استدل به الخطيب على أن الآية نزلت في المسلمين القائلين «أفلا نسجد لك؟» بناء على الظاهر، ووجه كون الخطاب للكفار وأن الآية نزلت فيهم بأنه يجوز أن يقال لأهل الكتاب: أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أي منقادون مستعدون للدين الحق إرخاء للعنان واستدراجا، والقول- بأن كل مصدق بنبيه مسلم ودعواه أنه أمره نبيه بما يوجب كفره دعوى أنه أمره بالكفر بعد إسلامه فدلالة هذا على أن الخطاب للمسلمين ضعيفة- في غاية السقوط كما لا يخفى.
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ الظرف منصوب بفعل مقدر مخاطب به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم- أي اذكر وقت ذلك- واختار السمين كونه معمولا «لأقررتم» الآتي، وضعفه عبد الباقي بأن خطاب أَأَقْرَرْتُمْ بعد تحقق أخذ الميثاق، وفيه تردد، وعطفه على ما تقدم من قوله تعالى: وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ كما نقله الطبرسي بعيد.
واختلف في المراد من الآية فقيل: إنها على ظاهرها ويؤيد ذلك ما
أخرجه ابن جرير عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: لم يبعث الله تعالى نبيا آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد صلى الله تعالى عليه وسلم لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ويأمره فيأخذ العهد على قومه ثم تلا الآية
وعدم ذكر الأمم فيها حينئذ إما لأنهم معلومون بالطريق الأولى أو لأنه استغنى بذكر النبيين عن ذكرهم، ففي الآية اكتفاء وليس فيها الجمع بين المتنافيين، وقيل: إن إضافة الميثاق إلى النبيين إضافة إلى الفاعل، والمعنى وإذ أخذ الله الميثاق الذي وثقه النبيون على أممهم- وإلى هذا ذهب ابن عباس- فقد أخرج ابن المنذر. وغيره عن سعيد بن جبير أنه قال: قلت لابن عباس: إن أصحاب عبد الله يقرؤون «وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لما آتيتكم» إلخ ونحن نقرأ ميثاق النبيين فقال ابن عباس: إنما أخذ الله تعالى ميثاق النبيين على قومهم، وأشار بذلك رضي الله تعالى عنه إلى أنه لا تناقض بين القراءتين كما توهم حتى ظن أن ذلك منشأ قول مجاهد فيما رواه عنه ابن المنذر، وغيره أن وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ خطأ من الكتاب- وأن الآية كما قرأ عبد الله- وليس كذلك إذ لا يصلح ذلك وحده منشأ وإلا لزم الترجيح بلا مرجح بل المنشأ لذلك إن صح، ولا أظن ما يعلم بعد التأمل فيما أسلفناه في المقدمات وبسطنا الكلام عليه- في الأجوبة العراقية عن الأسئلة الإيرانية- وقيل: المراد
أمم النبيين على حذف المضاف، وإليه ذهب الصادق رضي الله تعالى عنه
وقيل: المضاف المحذوف أولاد، والمراد بهم على الصحيح بنو إسرائيل لكثرة أولاد الأنبياء فيهم وأن السياق في شأنهم، وأيد بقراءة عبد الله المشار إليها- وهي قراءة أبي بن كعب- أيضا، وقيل: المراد- وإذ أخذ الله ميثاقا مثل ميثاق النبيين- أي ميثاقا غليظا على الأمم، ثم جعل ميثاقهم نفس ميثاقهم بحذف أداه التشبيه مبالغة، وقيل: المراد من النبيين بنو إسرائيل وسماهم بذلك تهكما لأنهم كانوا يقولون: نحن أولى بالنبوة من محمد لأنا أهل الكتاب والنبيون وكانوا منا، وهذا كما تقول لمن ائتمنته على شيء فخان فيه ثم زعم الأمانة: يا أمين ماذا صنعت بأمانتي؟؟ وتعقبه الحلبي بأنه بعيد جدا إذ لا قرينة تبين ذلك، وأجيب بأن القائل به لعله اتخذ مقالهم المذكور قرينة حالية، وقيل: إن الإضافة للتعليل لأدنى ملابسة كأنه قيل: وإذ أخذ الله الميثاق على الناس لأجل النبيين، ثم بينه بقوله سبحانه: لَما آتَيْتُكُمْ إلخ ولا يخفى أن هذا أيضا من البعد بمكان، وقال الشهاب: لم نر من ذكر أن الإضافة تفيد التعليل في غير كلام هذا القائل، واختار كثير من العلماء القول الأول، وأخذ الميثاق من النبيين له صلى الله تعالى عليه وسلم- على ما دل عليه كلام الأمير كرم الله تعالى وجهه مع علمه سبحانه أنهم لا يدركون وقته- لا يمنع من ذلك لما فيه مع ما علمه الله تعالى من التعظيم له