للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا في كلام الشيخ عبد القاهر (١) بل من تدبر كلامه في بحث الحال من الدلائل دفع بأقوى دليل الحال الذي عرض للناظرين، وقولهم المضارع يفيد الاستمرار أرادوا به الاستمرار التجددي في المستقبل لا في جميع الأزمنة فلا ينافي ما قلنا، واختار الجملة الاسمية هاهنا إجابة لداعي المقام، وقد قال غير واحد إن أصل هذا المصدر النصب لأن المصادر أحداث متعلقة بمحالها فيقتضي أن تدل على نسبتها إليها والأصل في بيان النسبة في المتعلقات الأفعال فينبغي أن تلاحظ معها ويؤيد ذلك كثرة النصب في بعضها والتزامه في بعض آخر وقد تنزل منزلة أفعالها فتسد مسدها وتستوفي حقها لفظا ومعنى فيكون ذكرها معها كالشريعة المنسوخة يستنكرها المتدين بعقائد اللغة.

«وبقي هاهنا أمور» الأول اختلف في جملة الحمد هل هي إخبارية أم إنشائية فالذي عليه معظم العلماء أنها إخبارية كما يقتضيه الظاهر لما يلزم على الإنشاء من انتفاء الاتصاف بالجميل قبل حمد الحامد ضرورة أن الإنشاء يقارن معناه لفظه في الوجود واللازم باطل فالملزوم مثله ولا يرد أن القصد إحداث الحمد لا الإخبار بثبوته لأن الإخبار بثبوت جميع المحامد لله تعالى هو عين الحمد كما أن قولك الله واحد عين التوحيد، وألف العلامة البخاري في الانتصار لذلك ورد من زعم أنها إنشائية وأطال فيه واهتم برده ابن الهمام وذكر أن ما ذكر باطل لأن اللازم من المقارنة انتفاء وصف الواصف لا الاتصاف إذ الحمد إظهار الصفات لا ثبوتها، وأيضا المخبر بالحمد لا يقال له حامد إذ لا يصاغ لغة للمخبر عن غيره من متعلق إخباره اسم قطعا فلا يقال لقائل زيد له القيام قائم فلو كان الحمد إخبارا محضا لم يقل لقائل الحمد لله حامد وهو باطل نعم يتراءى لزوم أن يكون كل مخبر منشئا حيث كان واصفا للواقع ومظهرا له وهو توهم فإن الحمد مأخوذ فيه مع ذكر الواقع كونه على وجه التعظيم وهذا ليس جزء ماهية الخبر فاختلفت الحقيقتان فالجملة إنشائية لا محالة، وقال الملا خسرو (٢) هي وأمثالها إخبارية لغة ونقلها الشارع للإنشاء لمصلحة الأحكام واعترض على إنشائيتها بأن الاستغراق ينافيه ويستلزم كون الحامد منشئا لكل حمد ومن المحال إنشاء الحمد القائم بغيره، وأجيب بأنه لا منافاة ولا استلزام ويكفي كونه منشئا للأخبار بأن كل حمد ثابت له ومحمود به والذي أرتضيه أنها إخبارية كما عليه المعظم ويد الله تعالى مع الجماعة والمراد الاخبار بأن الله تعالى مستحق الحمد كما قال سبحانه لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ [القصص: ٧٠] والمتكلم بها عن اعتقاد واصف ربه سبحانه بالجميل ومعظم له جل شأنه فيقال له حامد لذلك لا لمحض الأخبار بما فيه لفظ الحمد بل إذا غير الصيغة إلى ما ليس فيها ذلك اللفظ مما هو مشتمل على الوصف بالجميل بقصد التعظيم قيل له أيضا حامد فللحمد صيغ شتى وعبارات كثيرة حتى جعل منها الإقرار بالعجز عن الحمد،

وقد نقل أن داود عليه السلام قال: يا رب كيف أشكرك والشكر من آلائك؟

فقال: يا داود لما علمت عجزك عن شكري فقد شكرتني،

فما ذكره ابن الهمام أولا من أن المخبر بالحمد لا يقال له


(١) فإنه قال في بحث الحال من الدلائل رق لطيف تمس الحاجة في علم البلاغة إليه، بيانه أن موضوع الاسم على أن يثبت به المعنى للشيء من غير أن يقتضي تجدده شيئا فشيئا، وأما الفعل فموضوعه على أن يقتضي تجدد المعنى المثبت به شيئا بعد شيء فإذا قلت زيد منطلق فقد أثبت الانطلاق فعلا له من غير أن تجعله يتجدد ويحدث منه شيئا فشيئا بل يكون المعنى فيه كالمعنى في قولك زيد طويل وعمرو قصير فكما لا تقصد هاهنا إلى أن تجعل الطول والقصر يتجدد ويحدث بل توجبهما وتثبتهما فقط وتقضي بوجودهما على الإطلاق كذلك لا يتعرض في قولك زيد منطلق لأكثر من إثباته لزيد، وأما الفعل فإنك تقصد فيه إلى ذلك، فإن قلت زيد ينطلق فقد زعمت أن الانطلاق يقع منه جزءا فجزءا وجعلته يزاوله ويوجبه اهـ فليحفظ اهـ منه يقول مصححه محمد منير الدمشقي:
فتشت في كتاب الدلائل في بحث الحال فلم أجد هذا الكلام هناك ولعله سقط من النسخة المطبوعة.
(٢) وقال الزمخشري إنه خبر عدل به عن الأمر كما في حواشي البيضاوي للإمام السيوطي اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>