خبرها لارتباط الكلام بعضه ببعض، وإلى ذلك يشير كلام الإمام السهيلي في الروض الانف، ولا يخفى أنه مع ما فيه من التكلف مبني على اتحاد ما أوتوه، وما هو معهم، وفي ذلك إشكال- لأن آتيناكم، وجاءكم- إن كان كلاهما مستقبلين فالظاهر أن المراد- بما آتيناكم- القرآن لأنه الذي يؤتوه في المستقبل باعتبار إيتائه للرسول الذي كلفوا باتباعه وبما معهم الكتب التي أوتوها، وحمله على القرآن يأباه الذوق لأنه مع كونه ليس معهم بحسب الظاهر لا يظهر حسن لكون القرآن مصدقا للقرآن وهو لازم عى ذلك التقدير. وإن كانا ماضيين ظهر الفساد من جهة أن هذا الرسول الذي أوجب الله تعالى عليهم الإيمان به ونصرته لم يجئ إذ ذاك، وإن كان الفعل الأول ماضيا. والثاني مستقبلا جاء عدم التناسب بين المعطوفين وهما ماضيان لفظا، وفيه نوع بعد، ولعل المجيب يختار هذا الشق ويتحمل هذا البعد لما أن ثم مع كونه لا يعبأ بمثله لضعفه تهون أمره، وجوز أبو البقاء على ذلك التقدير كون الخبر من كتاب أي الذي آتيتكموه من الكتاب، وجعل النكرة هنا كالمعرفة وسوغ كون العائد على الموصول من المعطوف محذوفا- أي جاءكم به- مع عدم تحقق شروط حذف مثل هذا الضمير عند الجمهور بل مع خلل في المعنى لأن المؤتى كتاب كل نبي في زمان بعثته وشريعته والجائي به الرسول هو القرآن بحسب الظاهر لا كتاب كل نبي، وعود الضمير المقدر يستدعي ذلك، وعلى تقدير التزام كون المؤتى القرآن أيضا كما يقتضيه حمل الفعلين على الاستقبال يرد أنه لا معنى لمجيء الرسول إليهم بالقرآن بعد إيتائهم القرآن بمهلة، والعطف بثم كالنص بهذا المعنى، وعلى تقدير التزام كون الجائي به الرسول هو كتاب كل نبي بنوع من التكلف يكون وصف الرسول بكونه مصدقا لما معكم كالمستغني عنه فتدبر.
وقرأ حمزة- لما آتيتكم- بكسر اللام على أن ما مصدرية- واللام- جارّة أجلية متعلقة- بلتؤمنن- أي لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب ثم مجيء رسول مصدق له أخذ الله الميثاق لتؤمنن به ولتنصرنه، واعترض بأن فيه إعمال ما بعد لام القسم فيما قبلها وهو لا يجوز، وأجيب بأنه غير مجمع عليه فإن ظاهر كلام الزمخشري يشعر بجوازه، ولعل من يمنعه يخصه بما إذا لم يكن المعمول المتقدم ظرفا لأن ذاك يتوسع فيه ما لا يتوسع في غيره، نعم الأولى حسبما للنزاع تعلقه بأقسم المحذوف. وجوز أن تكون ما في هذه القراءة موصولة أيضا. والجار متعلق- بأخذ- وروي عبد بن حميد عن سعيد بن جبير أنه قرأ- لما آتيتكم- بالتشديد. وفيها احتمالان: الأول أن تكون ظرفية بمعنى حين- كما قاله الجمهور- خلافا لسيبويه، وجوابها مقدر من جنس جواب القسم- كما ذهب إليه الزمخشري- أي- لما آتيتكم بعض الكتاب والحكمة ثم جاءكم رسول مصدق وجب عليكم الإيمان به ونصرته- وقدره ابن عطية من جنس ما قبلها- أي لما كنتم بهذه الحال رؤساء الناس وأماثلهم أخذ عليكم الميثاق- وكذا وقع في تفسير الزجاج، و «مآل» معناها التعليل، الثاني أن أصلها من «ما» فأبدلت النون ميما لمشابهتها إياها فتوالت ثلاث ميمات فحذفت الثانية لضعفها بكونها بدلا وحصول التكرير بها، ورجحه أبو حيان في البحر.
وزعم ابن جني أنها الأولى، ونظر فيه الحلبي، ومِنْ إما مزيدة في الإيجاب على رأي الأخفش، وإما تعليلية على ما اختاره ابن جني قيل: وهو الأصح- لا تضاح المعنى عليه وموافقته لقراءة التخفيف- واللام إما زائدة، أو موطئة بناء على عدم اشتراط دخولها على أداة الشرط، وقرأ نافع- آتيناكم- على لفظ الجمع للتعظيم، والباقون- آتيتكم- على التوحيد، ولكل من القراءتين حسن من جهة- فافهم ذاك- فبعيد أن تظفر بمثله يداك قالَ أي الله تعالى للنبيين وهو بيان لأخذ الميثاق، أو مقول بعده للتأكيد أَأَقْرَرْتُمْ بذلك المذكور وَأَخَذْتُمْ أي قبلتم على حدّ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ [المائدة: ٤١] .
وقيل: معناه هل أخذتم عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي على الأمم- والإصر- بكسر الهمزة العهد كما قال ابن عباس،