ذكر الواحدي عن ابن عباس أنه قال: «اختصم أهل الكتابين إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فيما اختلفوا بينهم من دين إبراهيم عليه السلام كل فرقة زعمت أنها أولى بدينه فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم فغضبوا وقالوا: والله ما نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك فأنزل الله تعالى هذه الآية،
والجملة في النظم معطوفة على مجموع الشرط والجزاء، وقيل: على الجزاء فقط، وعطف الإنشاء على الإخبار مغتفر هنا عند المانعين، والهمزة على التقديرين متوسطة بين المعطوف والمعطوف عليه للإنكار، وقيل:
إنها معطوفة على محذوف تقديره- أيتولون فغير دين الله يبغون- قال ابن هشام: والأول مذهب سيبويه، والجمهور، وجزم به الزمخشري في مواضع، وجوز الثاني في بعض- ويضعفه ما فيه من التكلف- وأنه غير مطرد، أما الأول فلدعوى حذف الجملة فإن قوبل بتقديم بعض المعطوف فقد يقال إنه أسهل منه لأن المتجوز فيه على قولهم: أقل لفظا مع أن في هذا التجوز تنبيها على أصالة شيء في شيء أي أصالة الهمزة في التصدر، وأما الثاني فلأنه غير ممكن في نحو أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [الرعد: ٣٣] انتهى.
وتعقبه الشمس ابن الصائغ بأنه أي مانع من تقدير ألا مدبر للموجودات- فمن هو قائم على كل نفس- على الاستفهام التقريري المقصود به تقرير ثبوت الصانع، والمعنى- أينتفي المدبر فلا أحد قائم على كل نفس- ولا يمكن ذلك بل المدبر موجود فالقائم على كل نفس هو- وهو أولى من تقدير البدر ابن الدماميني- أهم ضالون فمن هو قائم على كل نفس بما كسبت لم يوحدوه، وجعله الهمزة للإنكار التوبيخي، وعلى العلات يوشك أن يكون التفصيل في هذه المسألة أولى بأن يقال: إن انساق ذلك المقدر للذهن قيل) بالتقدير، وإلا قيل بما قاله الجماعة، وتقديم المفعول لأنه المقصود بالإنكار لا للحصر كما توهم لأن المنكر اتخاذ غير الله ربا ولو معه، ودعوى أنه إشارة إلى أن دين غير الله لا يجامع دينه في الطلب، فالتقديم للتخصيص، والإنكار متوجه إليه أي أيخصون غير دين الله بالطلب- تكلف، وقول أبي حيان: إن تعليل التقديم بما تقدم لا تحقيق فيه لأن الإنكار الذي هو معنى الهمزة لا يتوجه إلى الذوات، وإنما يتوجه إلى الأفعال التي تتعلق بالذوات، فالذي أنكر إنما هو الابتغاء الذي متعلقه غير دين الله، وإنما جاء تقديم المفعول من باب الاتساع، ولشبه يبغون بالفاصلة لا تحقيق فيه عند ذوي التحقيق لأنا لم ندع توجه الإنكار إلى الذوات كما لا يخفى، وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية الحفص، ويعقوب- يبغون- بالياء التحتية، وقرأ الباقون بالتاء الفوقانية على معنى- أتتولون- أو- أتفسقون، وتكفرون فغير دين الله تبغون- وذهب بعضهم إلى أنه التفات فعنده لا تقدير، وعلى تقدير التقدير يجيء قصد الإنكار فيما أشير إليه ولا ينافيه لأنه منسحب عليه وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جملة حالية مؤكدة للإنكار- أي كيف يبغون ويطلبون غير دينه، والحالة هذه طَوْعاً وَكَرْهاً مصدران في موضع الحال أي طائعين وكارهين، وجوز أبو البقاء أن يكونا مصدرين على غير المصدر لأن أسلم بمعنى انقاد وأطاع قيل:
وفيه نظر لأنه ظاهر في طَوْعاً لموافقة معناه ما قبله لا في كَرْهاً والقول: بأنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل غير نافع، وقد يدفع بأن الكره فيه انقياد أيضا، والطوع مصدر طاع يطوع، كالإطاعة مصدر أطاع يطيع ولم يفرقوا بينهما، وقيل: طاعه يطوعه انقاد له، وأطاعه يطيعه بمعنى مضى لأمره، وطاوعه بمعنى وافقه، وفي معنى الآية أقوال: الأول أن المراد من الإسلام بالطوع الإسلام الناشئ عن العلم مطلقا سواء كان حاصلا للاستدلال كما في الكثير منا، أو بدون استدلال وإعمال فكر- كما في الملائكة- ومن الإسلام بالكره ما كان حاصلا بالسيف ومعاينة ما