جمع خلافا لمن زعم أن ذلك مخصوص بالمفرد، وصيغة الجمع لمراعاة الضمير، وفيها توافق الفواصل، والمراد ليس لواحد منهم ناصر واحد.
«ومن باب الإشارة» قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ وهي كلمة التوحيد وترك اتباع الهوى والميل إلى السوي فإن ذلك لم يختلف فيه نبي ولا كتاب قط ما كانَ إِبْراهِيمُ الخليل يهوديا متعلقا بالتشبيه وَلا نَصْرانِيًّا قائلا بالتثليث وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مائلا عن الكون برؤية المكون مُسْلِماً منقادا عند جريان قضائه وقدره، أو ذاهبا إلى ما ذهب إليه المسلمون المصطفون القائلون لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ بشرط التجرد عن الكونين ومنع النفوس عن الالتفات إلى العالمين فإن الخليل لما بلغ حضره القدس زاغ بصره عن عرائس الملك والملكوت قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَهذَا النَّبِيُّ العظيم يعني محمدا عليه من الله تعالى أفضل الصلاة وأكمل التسليم أَوْلَى أيضا بمتابعة أبيه الخليل وسلوك منهجه الجليل لأنه زبدة مخيض محبته وخلاصة حقيقة فطرته وَالَّذِينَ آمَنُوا به صلى الله تعالى عليه وسلم وأشرقت عليهم أنواره وأينعت في رياض قلوبهم أسراره وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ كافة يحفظهم عن آفات القهر ويدخلهم في قباب العصمة ويبيح لهم ديار الكرامة وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ جعله أهل الله سبحانه خطابا للمؤمنين كما قال بذلك بعض أهل الظاهر أي لا تفشوا أسرار الحق إلا إلى أهله ولا تقروا بمعاني الحقيقة للمحجوبين من الناس فيقعون فيكم ويقصدون سفك دمائكم قُلْ إِنَّ الْهُدى أعني هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ من علم الباطن، أو مثل ما يحاجوكم به في زعمهم عند ربكم وهو علم الظاهر.
وحاصل المعنى إِنَّ الْهُدى الجمع بين الظاهر، والباطن. وأما الاقتصار على علم الظاهر وإنكار الباطن فليس بهدى قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ فيتصرف به حسب مشيئته التابعة لعلم التابع للمعلوم في أزل الآزال وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ فكيف يتقيد بالقيود بل يتجلى حسبما تقتضيه الحكمة في المظاهر لأهل الشهود يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ الخاصة مَنْ يَشاءُ من عباده وهي المعرفة به وهي فوق مكاشفة غيب الملكوت ومشاهدة سر الجبروت، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ الذي لا يكتنه بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وهو عهد الروح بنعت الكشف وعهد القلب بتلقي الخطاب، وعهد العقل بامتثال الأوامر والنواهي وَاتَّقى من خطرات النفوس وطوارق الشهوات فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ أي فهو بالغ مقام حقيقة المحبة إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا الآية إشارة إلى من مال إلى حضرة الدنيا وآثرها على مشاهدة حضرة المولى وزين ظاهره بعبادة المقربين ومزجها بحب الرياسة فذلك الذي سقط عن رؤية اللقاء ومخاطبة الحق في الدنيا والآخرة ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ لأن الاستنباء لا يكون إلا بعد الفناء في التوحيد فمن محا الله تعالى بشريته بإفنائه عن نفسه وأثابه وجودا نورانيا حقيقا قابلا للكتاب والحكمة العقلية لا يمكن أن يدعو إلى نفسه إذ الداعي إليها لا يكون إلا محجوبا بها، وبين الأمرين تناقض ولكن يقول كُونُوا رَبَّانِيِّينَ أي منسوبين إلى الرب، والمراد عابدين مرتاضين بالعلم والعمل والمواظبة على الطاعات لتغلب على أسراركم أنوار الرب، ولهم في الرباني عبارات كثيرة، فقال الشبلي: الرباني الذي لا يأخذ العلوم إلا من الرب ولا يرجع في شيء إلا إليه، وقال سهل: الرباني الذي لا يختار على ربه حالا، وقال القاسم: هو المتخلق بأخلاق الرب علما وحكما، وقيل: هو الذي محق في وجوده ومحق عن شهوده. وقيل: هو الذي لا تؤثر فيه تصاريف الأقدار على اختلافها «وقيل: وقيل:» وكل الأقوال ترد من منهل واحد،