للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جميع ذلك انتهى ولا يخفى أن هذا على تقدير قبوله وتحمل بعده لا يأبى القول بالاستطراد لأنه أن يذكر في أثناء الكلام ما يناسبه وليس السياق له، وإنما يأبى الاعتراض ولا نقول به فتأمل.

هذا «ومن باب الإشارة» لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ الذي هو القرب من الله حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ أي بعضه، والإشارة به إلى النفس فإنها إذا أنفقت في سبيل الله زال الحجاب الأعظم وهان إنفاق كل بعدها وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ فينبغي تحرّي ما يرضيه، ويحكى عن بعضهم أنه قال المنفقون على أقسام: فمنهم من ينفق على ملاحظة الجزاء والعوض. ومنهم من ينفق على مراقبة رفع البلاء والمحن. ومنهم من ينفق اكتفاء بعلمه ولله تعالى در من قال:

ويهتز للمعروف في طلب العلا ... لتذكر يوما عند سلمى شمائله

كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ قيل: فائدة الإخبار بذلك تعليم أهل المحبة أن يتركوا ما حبب إليهم من الأطعمة الشهية واللذائذ الدنيوية رغبة فيما عند الله تعالى إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ وهو الكعبة التي هي من أعظم المظاهر له تعالى حتى قالوا: إنها للمحمديين كالشجرة لموسى عليه السلام مُبارَكاً بما كساه من أنوار ذاته وَهُدىً بما كساه من أنوار صفاته لِلْعالَمِينَ على حسب استعدادهم فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ المشتمل على الرضا والتسليم والانبساط واليقين والمكاشفة والمشاهدة والخلة والفتوة، أو المعرفة والتوحيد والفناء والبقاء والسكر والصحو، أو جميع ذلك وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً من غوائل نفسه لأنه مقام التمكين «وتطبيق ذلك على ما في الأنفس» أن البيت إشارة إلى القلب الحقيقي، ويحمل ما ورد أن البيت أول ما ظهر على وجه الماء عند خلق السماء والأرض وخلق قبل الأرض بألفي عام وكان زبدة بيضاء على وجه الماء فدحيت الأرض تحته على ذلك وظهوره على الماء حينئذ تعلقه بالنطفة عند خلق سماء الروح الحيوان وأرض البدن، وخلقه قبل الأرض إشارة إلى قدمه وحدوث البدن، وتقييد ذلك بألفي عام إشارة إلى تقدمه على البدن بطورين طور النفس وطور القلب تقدما بالرتبة إذ الألف رتبة تامة، وكونه زبدة بيضاء إشارة إلى صفاء جوهره، ودحو الأرض تحته إشارة إلى تكون البدن من تأثيره وكون أشكاله وصور أعضائه تابعة لهيئاته ولا يخفى أن محل تعلق الروح بالبدن واتصال القلب الحقيقي به أولا هو القلب الصنوبري وهو أول ما يتكون من الأعضاء وأول عضو يتحرك وآخر عضو يسكن فيكون أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ الصدر صورة، أو أول متعبد وضع لهم للقلب الحقيقي الذي هو ببكة الصدر المعنوي الذي هو أشرف مقام في النفس وموضع ازدحام القوى اليه، ومعنى كونه مُبارَكاً أنه ذو بركة إلهية بسبب فيض الخير عليه، وكونه هُدىً أنه يهتدي به إلى الله تعالى- والآيات- التي فيه هي العلوم والمعارف والحكم والحقائق، ومَقامُ إِبْراهِيمَ إشارة إلى العقل الذي هو مقام قدم إبراهيم الروح يعني محل اتصال نوره من القلب ولا شك أن من دخل ذلك كانَ آمِناً من أعداء سعالى المتخيلة وعفاريت أحاديث النفس واختطاف شياطين الوهم وجن الخيالات واغتيال سباع القوى النفسانية وصفاتها وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وهم أهل معرفته عز شأنه، وأما الجاهلون به فلا قاموا ولا قعدوا، يحكى عن بعضهم أنه قال: قلت للشبلي: إني حججت فقال: كيف فعلت؟ فقلت: اغتسلت وأحرمت وصليت ركعتين ولبيت فقال لي: عقدت به الحج؟ فقلت:

نعم قال: فسخت بعقدك كل عقد عقدت منذ خلقت مما يضاد هذا العقد؟ قلت: لا قال: فما عقدت، ثم قال نزعت ثيابك؟ قلت: نعم قال: تجردت عن كل فعل فعلت؟ قلت: لا قال: ما نزعت، فقال: تطهرت؟ قال: نعم قال: أزلت عنك كل علة؟ فقلت: لا قال فما تطهرت، قال لبيت؟ قلت: نعم قال: وجدت جواب التلبية مثلا بمثل؟ قلت: لا قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>