للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحفظ الحدود والخمود تحت جريان القضاء بنعت الرضا، وقيل: حق التقوى عدم رؤية التقوى وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أي لا تموتن إلا على حال إسلام الوجود له أي ليكن موتكم هو الفناء في التوحيد وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وهو عهده الذي أخذه على العباد يوم أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف: ١٧٢] وَلا تَفَرَّقُوا باختلاف الأهواء وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ بالهداية إلى معالم التوحيد المفيد للمحبة في القلوب إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً لاحتجابكم بالحجب النفسانية والغواشي الطبيعية فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ بالتحاب في الله تعالى لتنورها بنوره فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ عليكم إِخْواناً في الدين وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ وهي مهوى الطبيعة الفاسقة وجهنم الحرمان فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها بالتواصل الحقيقي بينكم إلى سدرة مقام الروح وروح جنة الذات وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ كالعلماء العارفين أرباب الاستقامة في الدين يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ أي يرشدون الناس إلى الكمال المطلق من معرفة الحق تعالى والوصول إليه وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ المقرب إلى الله تعالى وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ المبعد عنه تعالى وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الذين لم يبق لهم حجاب وهم خلفاء الله تعالى في أرضه وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا واتبعوا الأهواء والبدع وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ الحجج العقلية والشرعية الموجبة للاتحاد واتفاق الكلمة وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ وهو عذاب الحرمان من الحضرة يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ قالوا: ابيضاض الوجه عبارة عن تنور وجه القلب بنور الحق المتوجه إليه والإعراض عن الجهة السفلية النفسانية المظلمة ولا يكون ذلك إلا بالتوحيد واسوداده ظلمة وجه القلب بالإقبال على النفس الطالبة لحظوظها والإعراض عن الجهة العلوية النورانية فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ فيقال لهم أَكَفَرْتُمْ أي احتجبتم عن الحق بصفات النفس بَعْدَ إِيمانِكُمْ أي تنوركم بنور الاستعداد وصفاء الفطرة وهداية العقل فَذُوقُوا الْعَذابَ وهو عذاب الاحتجاب عن الحق بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ به وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ الخاصة التي هي شهود الجمال هُمْ فِيها خالِدُونَ باقون بعد الفناء كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ من مكامن الأزل لِلنَّاسِ أي لنفعهم تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ الموصل إلى مقام التوحيد وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وهو القول بتحقق الكثرة على الحقيقة وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ كإيمانكم لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مما هم عليه مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ كإيمانكم وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ الخارجون عن حرم الحق لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وهو الإنكار عليكم بالقول وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ ولم يكتفوا بذلك الإيذاء يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ولا ينالون منكم شيئا لقوة بواطنكم وضعفهم ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ لا ينصرهم أحد أصلا بل يبقون مخذولين لعدم ظهور أنوار الحق عليهم، والله تعالى الموفق.

لَيْسُوا سَواءً أخرج ابن إسحاق والطبراني والبيهقي وغيرهم عن ابن عباس قال: لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن شعبة وأسيد بن شعبة وأسيد بن عبيد ومن أسلم من يهود معهم فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمد وتبعه إلا أشرارنا ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره فأنزل الله تعالى في ذلك لَيْسُوا سَواءً إلى قوله سبحانه وتعالى: وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ والجملة على ما قاله مولانا شيخ الإسلام تمهيد لتعداد محاسن مؤمني أهل الكتاب، وضمير الجمع لأهل الكتاب جميعا لا للفاسقين خاصة وهو اسم- ليس- وسَواءً خبره، وإنما أفرد لكونه في الأصل مصدرا والوقف هنا تام على الصحيح والمراد بنفي المساواة نفي المشاركة في أصل الاتصاف بالقبائح لا نفي المساواة في الاتصاف بمراتبها مع تحقق المشاركة في أصل الاتصاف ومثله كثير في الكلام.

مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ استئناف مبين لكيفية عدم التساوي ومزيل لما فيه من الإبهام، وقال أبو عبيدة:

<<  <  ج: ص:  >  >>