الإسلام من غير أن يكون هناك قول، وقيل: هو خطاب لكل مؤمن وتحريض لهم على عداوتهم وحث لهم على خطابهم خطاب الخصماء فإنه لا أقطع للمحبة من جراحة اللسان فالمقصود على هذا من قوله تعالى: مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ مجرد الخطاب بما يكرهونه، والصحيح الذي اتفقت عليه كلمتهم أنه دعاء عليهم وكون ذلك مما فيه خفاء إذ لا يخاطب المدعو عليه بل الله تعالى ويسأل منه ابتلاؤه لا خفاء في خفائه وأنه غفلة عن قولهم: قاتلك الله تعالى، وقولهم: دم بعز، وبت قرير عين، وغيره مما لا يحصى، والمراد كما قيل: الدعاء بدوام الغيظ وزيادته بتضاعف قوة الإسلام وأهله حتى يهلكوا به، وهذا عند العلامة الثاني من كناية الكناية حيث عبر بدعاء موتهم بالغيظ عن ملزومه الذي هو دعاء ازدياد غيظهم إلى حين الهلاك وبه عن ملزومه الذي هو قوة الإسلام وعز اسمه وذلك لأن مجرد الموت بالغيظ أو ازدياده ليس مما يحسن أن يطلب ويدعى به.
وتعقب بأن المجاز على المجاز مذكور وأما الكناية على الكناية فنادرة وقد صرح بها السبكي في قواعده الأصولية ونقل فيها خلافا، ومع هذا الفرق بين الكناية بالوسائط والكناية على الكناية مما يحتاج إلى التأمل الصادق ولعله فرق اعتباري، وأيضا ما ذكره من أن مجرد الموت بالغيظ إلخ مدفوع بأنه يمكن أن يكون المحسن لذلك ما فيه من الإشارة إلى ذمهم حيث إنهم قد استحقوا هذا الموت الفظيع والحال الشنيع.
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أي بما خفي فيها، وهذا يحتمل أن يكون من تتمة المقول أي قل لهم إن الله تعالى عليم بما هو أخفى مما تخفونه من عض الأنامل إذا خلوتم فيجازى به وأن يكون خارجا عنه أي قل لهم ما تقدم ولا تتعجب من اطلاعي إياك على أسرارهم فإني عليم بالأخفى من ضمائرهم، والنهي عن التعجب حينئذ إما خارج مخرج العادة مجازا بناء على أن المخاطب عالم بمضمون هذه الجملة، وإما باق على حقيقته إن كان المخاطب غير ذلك ممن يقف على هذا الخطاب فلا إشكال على التقديرين خلافا لمن وهم في ذلك إِنْ تَمْسَسْكُمْ أيها المؤمنون حَسَنَةٌ نعمة من ربكم كالألفة واجتماع الكلمة والظفر بالأعداء تَسُؤْهُمْ أي تحزنهم وتغظهم وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ أي محنة كإصابة العدو منكم واختلاف الكلمة فيما بينكم يَفْرَحُوا أي يبتهجوا بِها وفي ذلك إشارة إلى تناهي عداوتهم إلى حد الحسد والشماتة، والمس قيل: مستعار للإصابة فهما هنا بمعنى، وقد سوى بينهما في غير هذا الموضع كقوله تعالى: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ [التوبة: ٥٠] وقوله سبحانه: إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً [المعارج: ٢٠] والتعبير هنا بالمسّ مع الحسنة وبالإصابة مع السيئة لمجرد التفنن في التعبير، وقال بعض المحققين: الأحسن والأنسب بالمقام ما قيل: إنه للدلالة على إفراطهم في السرور والحزن لأن المسّ أقل من الإصابة كما هو الظاهر فإذا ساءهم أقلّ خير نالهم فغيره أولى منه، وإذا فرحوا بأعظم المصائب مما يرثي له الشامت ويرق الحاسد فغيره أولى فهم لا ترجى موالاتهم أصلا فكيف تتخذونهم بطانة؟! والقول بأنه لا يبعد أن يقال: إن ذلك إشارة إلى أن ما يصيبهم من الخير بالنسبة إلى لطف الله تعالى معهم خير قليل وما يصيبهم من السيئة بالنسبة لما يقابل به من الأجر الجزيل عظيم بعيد كما لا يخفى وَإِنْ تَصْبِرُوا على أذاهم أو على طاعة الله تعالى ومضض الجهاد في سبيله وَتَتَّقُوا ما حرم عليكم لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ أي مكرهم وأصل الكيد المشقة، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب لا يَضُرُّكُمْ بكسر الضاد وجزم الراء على أنه جواب الشرط من ضاره يضيره بمعنى ضره يضره، وضم الراء في القراءة المشهورة لاتباع ضمة الضاد كما في الأمر المضاعف المضموم العين كمد، والجزم مقدر، وجوزوا في مثله الفتح للخفة والكسر لأجل تحريك الساكن، وقيل: إنه مرفوع بتقدير الفاء وهو تكلف مستغنى عنه شَيْئاً نصب على المصدر أي لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً من الضرر لا كثيرا ولا قليلا ببركة الصبر والتقوى